غسان دنو |
حذرت إحدى الصيدليات العاملة في مدينة إدلب من تناقص مخزون الأدوية في الشمال السوري المحررة بعد خسارة منطقة (المنصورة) بريف حلب الشمالي الغربي التي تعد أبرز تجمع لمعامل الأدوية المحلية.
وكانت قوات النظام، وبدعم إيراني روسي، سيطرت على المنطقة منتصف شهر شباط 2020 لتخسر المعارضة نحو 20 معملًا مرخصًا للأدوية كانت تغطي احتياجات المحررة وتصدر إلى مناطق النظام ودول مجاورة.
(صحيفة حبر) تقصت الموضوع والتقت عددًا من الشخصيات المعنية للوقوف على الموضوع لأهميته الكبرى، والبداية مع نقيب الصيادلة في إدلب الدكتور (يحيى نعمة) الذي أفادنا أن “معامل المنصورة كانت تسد حاجة المحرر بنسبة تصل من 40 إلى 50 % من الأدوية، وفقدانها سيؤدي إلى خلل كبير في السوق الدوائية بعدم توفر بعض الأصناف النوعية”
وتابع: ” النظام لم يسمح بوصول الأدوية من مناطقه، لذا يتم اللجوء إلى طرق (التهريب) ممَّا يزيد أجور الشحن على الأدوية، وبالتالي ينعكس على احتياجات المرضى.”
هل سيرتفع سعر الأدوية في المحرر؟ يُجيب الدكتور (يحيى): “ارتفاع السعر مؤكد لسببين وكلاهما مرتبط بانخفاض قيمة الليرة السورية، السبب الأول، في حال استيراد الأدوية من مناطق النظام سترتفع الأسعار بنحو 22% من قيمتها الحالية لأجور الشحن والضرائب فقط لأنها متجهة إلى المحرر، والسبب الآخر، ارتفاع قيمة المواد الأساسية عند المعامل المنتجة أيضاً؛ لارتباطها بالدولار لأنها مواد أجنبية مستوردة، وحاليًا لا يوجد انخفاض بكمية الأدوية المتوقعة 50% بسبب أن المستودعات كانت تخزن الأدوية المنتجة في معامل المنصورة” إلا أن الدكتور يحيى أضاف: “هذا المخزون يتناقص بكثرة وبسرعة، ويمكن القول: إن هناك زمر دوائية فُقِدت من السوق بسبب الاحتكار لها” وهنا يكون التلاعب برفع سعرها نظراً لأهميتها ونوعيتها.
ما هو الحل لتعويض نقص الأدوية المحتمل في السوق؟ يوضح الدكتور (يحيى): “نأمل تغذية المناطق المحررة عن طريق مستودعات الأدوية الموجودة التي تستطيع جلب الأدوية من مناطق النظام إلى المحرر كحل سريع، لكن سنعاني من موضوع ارتفاع أجور الشحن وبالتالي ارتفاع أسعار الأدوية وإرهاق جيب المواطن المُثقل أصلاً بسبب ضعف قدرتهم الشرائية لاحتياجاتهم الأساسية ومنها الأدوية.”
وتابع: “وإن لم تنجح هذه الخطوة سيتم اللجوء إلى استيراد الأدوية الهندية والصينية المنشأة لتكون بديلًا، لكن أيضًا يجب مراقبتها لأنها ربما تكون ذات أضرار على المجتمع والمرضى، ويمكن الاستعاضة بالأدوية التركية غاية الثمن.”
هل يمكن تشغيل مكابس حبوب وآلات تعبة شراب وغيرها لتكوين مصانع دوائية محلية؟
“فكرة جلب ماكينات دوائية والتصنيع بشكل عشوائي بعيدة تمامًا عن العلم وعن الأمانة الموكلين بيها، وهي الحرص على صحة المرضى بتوفير دواء فعال وآمن، لكن نحن مع إنشاء معامل أدوية تضاهي معامل النظام بل وتتفوق عليها بشروط تصنيع جيد وإنتاج أدوية ذات فعالية ممتازة وأمان عالٍ، ويتم ضبط هذا الموضوع من قبل مديرية صحة إدلب بالتعاون مع نقابة الصيادلة عبر دائرة الرقابة الدوائية التي تشرف على ترخيص المعامل وضبط سير حركتها وضبط المنتجات الدوائية وفق برتوكولات عالمية حديثة جدًا” بحسب ما أوضح الدكتور (يحيى).
وللمزيد من المعلومات التقينا السيد ممدوح (اسم مستعار) أحد مندوبي الأدوية في المحرر
الذي أفاد بأن “مشكلة فقدان الأدوية في المحرر قديمة حديثة، حيث لجأت معامل الأدوية في المحرر منذ سنوات إلى سياسة تتناسب مع إمكانياتهم، بحيث تنتج عدة أصناف محددة وتطرحها للسوق، ثم تنتج أصنافًا أخرى لعدم قدرتها على تأمين كافة احتياجات السوق بشكل كامل، بالإضافة إلى اضطرار المنتجين لإرسال كميات من الأدوية للنظام بشكل منتظم، وإلا تعرضت للقصف كما حدث مع عدد من المعامل سابقًا مثل (ابن الهيثم، والسعد، وشفا، ودلتا) ممَّا أدى إلى ضعف في كميات الأدوية بشكل عام بالسوق.”
وأضاف: “الأدوية أيضًا مرتبطة بعدم استقرار سعر الدولار الذي يؤثر بسعر المواد الأولية والمواد الفعالة، فعند ارتفاع سعر الدولار يتوقف المعمل عن الإنتاج حفاظًا على سعر مواده، والأدوية حالياً بدأت بالتناقص تدريجيًا (مميعات الدم، أدوية الضغط، أدوية أمراض الشرايين، أدوية أمراض السكري) ورغم توزيع المستوصفات والمشافي للعديد من هذه الأصناف إلا أنها لا تكفي احتياجات المجتمع، وهناك أنواع من الأدوية اختفت، كالتركيب الكيميائي (سيفكسيم) الذي يدخل بالأدوية التالية مثل: (سيفيم 400، وسيفيم شراب) وهي أدوية التهاب نسائية وللأطفال مهمة.”
وأضاف السيد ممدوح: “هناك حل يتم تداوله، وهو افتتاح معابر إنسانية للتبادل التجاري خاصة قطاع الأدوية، لكن ستخضع لرسوم جمركية من النظام، ورسوم ترفيق للحواجز، بالإضافة إلى نسبة ربح المستودعات الرئيسة (الحكمة، العادل) ونسبة ربح المندوب والصيدلية، ولحل هذه المشكل تم التنسيق بين المستودعين الرئيسين (العادل والحكمة) لاستيراد الأدوية ذات المنشأ (حلب) عبر معبر أبو الزندين إلى الباب ومعبر آخر من النظام إلى عفرين، لكن أدى إلى فرض أجور شحن 15% على قيمة الأدوية، يضاف إليها 2% للجهات الحكومية في إدلب و1.5 % بشكل وسطي أجور حوالة (قيمة فاتورة) ثم تلحق بها 5% من المستودع المندوب إلى الصيدلي، ممَّا يعني أكثر من 25 % إضافية على قيمة الأدوية بحسب تسعيرة النظام قبل وصولها المحرر.”
وأشار إلى أن “هذه القيمة على الأدوية المستوردة من معامل حلب، أما إذا كانت الأدوية مستوردة من دمشق أو غيرها فيضاف إليها قيمة الشحن بين المحافظات وهي من 7 -8 % تضاف إلى 25 % ممَّا يعني ارتفاع قيمة منتج الدواء من دمشق إلى 33 % حتى يصل إلى مرضى المحرر، ويضاف إليها هامش ربح من 25 إلى 35 % للصيدلية بحسب صنف المنتج وشركته ونوعيته (مستورد أو محلي) تبعاً لتسعيرة نقابة الصيادلة في إدلب، ممَّا يعني ارتفاع نسبة سعر الأدوية (الحلبية) على المواطن نحو 65 %.”
وفيما يخص وجود حل عن طريق تركيا أشار ممدوح إلى إمكانية “فتح خط شراء من تركيا إلى المعابر إلى المستودعات ويوزع في السوق عبر المندوبين، لكن ستكون التكلفة أيضًا مرتفعة على المواطن، لأن وزارة الصحة التركية رفعت مؤخرًا أدويتها بنسبة 15% بحسب ما تم تداوله مؤخرًا بين المستودع والمندوبين.”
وختم مندوب الأدوية ممدوح قوله: “في الوقت الحالي، ومع قلة الكميات الواردة إلى المحرر، قرر المستودع الرئيس (العادل) الموجود في الدانا البيع بنظام السلة، وهي أن يجبر المندوب على شراء فاتورة جاهزة لشركة محددة، كمثال منتجات لشركة (ابن الهيثم) فيها فاتورة محددة من قبل المستودع من 20 صنف، مما يضطر المندوب لرفع قيمة الأرباح على الأدوية بسبب إلزامه بأنواع قليلة الطلب.”
أيضاً صحيفة حبر تواصلت مع السيد (جمال) أحد العاملين بفريق مراقبة الجودة في معامل المنصورة سابقًا، الذي أكد أن “هناك كوادر في المحرر وخبرات جيدة يمكنها أن تشغل معملًا ضخمًا يغطي احتياجات السوق في المحرر.”
وأضاف: “كان هناك معمل في مدينة إدلب افتتح حديثاً، لكن أغلق لأسباب تتعلق بارتفاع أسعار المواد وعدم استقرار سعر صرف الليرة أمام الدولار، ومعمل آخر في الدانا أيضًا أُغلق لأسباب غير معروفة، ولكن كلا المعملين لا يسدان احتياجات أكثر 4 مليون نسمة.”
لذا يرى السيد (جمال) لو يتم تقديم الدعم المالي من قبل المنظمات في بناء مشروع ضخم يشغل خطوط إنتاج للأدوية، وتستغل الكوادر التي قدرها بنحو 1400 شخص في المحرر لتشغيله وتلبية احتياجات السوق.