قبل أن تهدأ غيمة الغبار التي يحدثها القصف، يصمت المشهد بُرهة، ثم نسمع صوت أصحاب الخوذ البيضاء في قلب المكان، فيشقون صمته بالكلمات التي تبعث الحياة في أذهان العالقين تحت الركام، ويبدأ البحث عن المصابين.
نعم هكذا وصل الدفاع المدني إلى قلوب الناس قبل الوصول إلى أيديهم الممدودة خارج الركام.
يقول (مصطفى الحاج يوسف) مدير مديرية الدفاع المدني في محافظ إدلب: “كنَّا سابقاً نستخدم أيدينا والمجرفة والمهدة والقارص في البحث عن المصابين تحت الأنقاض، إذ لا يوجد أي معدات حديثة أو آليات ثقيلة لرفع الأنقاض؛ لأن الدفاع المدني بدأ بفرق متطوعة دون خبرة في العمل، وهذه الفرق تكونت نتيجة قصف الطيران وحاجة المناطق المستهدفة للدفاع المدني خصوصاً بعد تخلي الفرق والمنشآت الطبية وسيارات الإسعاف التابعة للنظام عن إسعاف الجرحى المعارضين.
فيما بعد بدأ تطور فرق الدفاع المدني في المناطق المحررة، وأصبحت تخضع لدورات تدريبية بعد تشكيل الدفاع في تركيا بداية عام 2014 وتم الإعلان عن تشكيل مؤسسة الدفاع المدني السوري على جميع الأراضي السورية المحررة بدعم من رجال أعمال سوريين يعملون في الخارج، بالإضافة إلى بعض المنظمات التي تعمل في المجال الإنساني، وبعض الدول من أصدقاء الشعب السوري.
مهمة الدفاع المدني إنقاذ حياة الناس وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني، إذ يلتزم بالحيادية والمدنية والقيم الإنسانية، ولا يتبع
لأي طرف أو حزب سياسي، ويلتزم بخدمة كافة أطياف الشعب السوري.
نحن مستعدين للعمل في كافة المناطق التي نستطيع الوصول إليها بشرط حماية جميع أفراد الفريق من أي خطر أو اعتقال، فمنذ فترة قام الدفاع المدني بالتدخل السريع في منطقة تابعة للنظام شرقي خان شيخون في أبو دالي، حيث أخمدنا حريقاً وخرجنا بناء على طلبهم بسبب قربنا من المنطقة، وقمنا بالتنسيق مع طرف مدني لضمان حياة الفريق.”
هل تعمل مؤسسة الدفاع المدني بمهنية؟
الآن يخضع جميع كوادر الدفاع المدني إلى دورات تخصصية سواء في مجال الإسعاف أو الإنقاذ أو الإطفاء، كذلك الأمر في المكاتب الإدارية في المحاسبة والإعلام وفي الموارد البشرية أيضاً.”
ما هي هيكلية مؤسسة الدفاع المدني السوري؟
تبدأ من الفرق العاملة ضمن المراكز، وتكون عبارة عن ثلاث فرق من عناصر إسعاف وعناصر إطفاء وعناصر إنقاذ، ويكون عددهم 33 بالنسبة إلى المناطق المكتظة، من ضمنهم سائقو الآليات الثقيلة والأعمال الخدمية، وتكون هذه الفرق تابعة للمركز، ويكون في المركز سيارة إسعاف وسيارة خدمة وآليات ثقيلة، ويتبع المركز لقطاع يُوجد فيه عدة مراكز بحسب حاجة القطاع لها، ويتبع القطاع للمديرية، وعندنا 9 مديريات للدفاع المدني متوزعة في جميع المناطق المحررة، تتبع كلها للإدارة العامة في سرمدا بإدارة الأستاذ رائد الصالح وهو من المؤسسين الأوائل في الدفاع المدني”.
وقد توجهنا إلى مركز الدفاع المدني في مدينة إدلب والتقينا مع (يحيى عرجى) مدير أحد المراكز ليحدثنا عن عمل الفريق من الناحية الميدانية والصعوبات التي تواجههم في العمل وقال: “إن أهم المعوقات التي تقف في وجه إتمام عملنا عندما يقوم الطيران بمحاولة قصف المكان المقصوف مرةً أخرى، وقد أدى هذا النوع من الاستهداف إلى إصابة عدد كبير من الكوادر واستشهاد 330 متطوعاً في عموم سورية وخصوصاً في الغوطة الشرقية قبل التهجير.
لكن يتناسى الفريق هذا الخطر ويتجه للعمل من جديد في المنطقة التي قصفت، وهو يعلم أنه قد يكون الضحية الثانية للقصف، لكن للحقيقة لا يوجد أي تذمر من هذا الأمر، وعندما يطلب الدفاع المدني أفراداً للتوظيف فإنه يتقدم عدد كبير لهذه الوظيفة.”
كيف تحافظون على سلامة الفريق من القصف المتكرر؟
يتعاون قائد الزمرة مع مرصد لمراقبة تحركات الطيران في المنطقة وعندما يقترب الطيران من منطقة العمل يخبر قائد الزمرة الفريق بإخلاء المكان إن كان الخطر حقيقي”.
ما هي الإجراءات التي يفعلها الفريق بداية وصوله إلى المكان المقصوف؟
“نتفقد المنطقة إن كان هناك أي إصابات في محيط المكان، ثم يصعد بعض أفراد الفريق إلى البناء المدمر، ونخلي المكان من المدنيين ونحاوطه من كل الاتجاهات، ثم نحاول سماع أصوات استغاثة أو أي صوت يدل على وجود ناجين تحت الركام.
لكن هناك صعوبات كبيرة بالنسبة إلى إخراج الجرحى من تحت المباني المرتفعة ذات 6 طوابق؛ لأن القصف أصبح أقسى من قبل، وأصبح يدمر البناء بأكمله ويسويه بالأرض، وهذا الأمر يحتاج إلى جهود لإخراج العالقين من تحت عدد كبير نسبياً من الطوابق وخصوصاً إن كان العالقون في قبو البناء، وهذا يحتاج إلى رفع ونقل كامل الركام للوصل إلى العالقين، وفي بعض الحلات قد نطلب المساعدة من مركز دفاع قريب إن لم يكونوا مشغولين في مكان آخر.”
نعم .. وصل أصحاب القبعات البيضاء إلى قلوب الناس بعملهم الدؤوب وتفانيهم في إخراج الجرحى والعالقين من تحت الركام، وعملهم لا يقل أهمية عن عمل الطبيب في المشفى الذي يسهر ليلاً على علاج المصابين. فتحية لهم جميعاً لأن قلوبهم كلون قبعاتهم البيضاء.