بقلم رئيس التحريروهلْ أفسدَ الدينَ إلا الملوكُ وَأحبارُ سُوءٍ وَرُهبانُهافباعُوا النفوسَ ولمْ يربحَوا ولمْ تغلُ في البيعِ أثمانهُا (عبد الله بن المبارك)لا اختلاف في أن العلماء الربانيين هم ورثة الأنبياء، والمدافعون عن دين الله، الذين يبينون للناس ويقفون بجانبهم، ويأخذون على أيديهم، ويكونون عونًا لهم للفوز بآخرتهم، ولذلك تحظى مجموعة العلماء في عالمنا الإسلامي بالاحترام والتوقير والطاعة، فكان لهم في النفوس مكانة كبيرة، إلا أن استغلال بعضهم وشراءه بالدولار من جهة، وصناعة عملاء يرتدون زي العلماء يدافعون عن أربابهم ومعبوداتهم من جهة أخرى، جعل هذه الفئة سيفًا ذا حدين، فبرز نوعان من (العلماء)، عالم موجه مصلح يقول الحق لا يخشى فيه لومة لائم، وآخر مدعٍ يلبس جبّة الدرويش ويزين كلامه وينمقه ويلبّس على الناس أمور دينهم، ويدور حول نفسه أمام قصور السلاطين يمدح هذا ويذم ذاك، ويلمع الوجوه السوداء ويجمل الانحرافات ويجعل المجرمين رسلًا من الله أرسلهم إلى العالمين، ويصور الثورة على الطغيان مخالفة لهدي النبي والقرآن!، وها هي قصور الرئاسة وبلاطات الملوك تغصُّ بهذا الصنف التهريجي الذي يبيع الفتوى في سوبر ماركت الإسلام، فانظر في أحوال الأزهر (الشريف) ووزارات الأوقاف والدعوة في بلادنا الإسلامية وتأمل.ولا يخفى على أحد أيضًا أن أية جماعة من الجماعات تحتاج إلى العلماء وتوجيهاتهم وإرشاداتهم التي تغني الجماعة وتهذبها وتبعدها عن الانحرافات، ولذلك كان من الضروري أن يكون هناك علماء في صفوف الجماعات المقاتلة، غير أن الصورة القديمة بدأت تتكرر، فثمَّ من أراد الهدى والإرشاد، وثمَّ من أراد أن يستغل الدين في جمع الناس وصنع الهيبة للكتيبة الفلانية التي لها شرعيها الخاص، وصنع هيبة القائد الفذ الذي لا يسير إلا مع شيخه يستفتيه في أشياء ويسكت عن أشياء، فصار الفصيل يزداد عدد متابعيه وعشاقه بحسب هذه المشاهد التي توهم الغرّ، وتشبع رغبة المحرومين الذين تسلموا القيادة، ورغبة الطلاب الذين خضعوا لدورة (كيف تكون قاضيًا ومفتيًا في ثلاثة أيامٍ ونصف) مع برنامج ترفيهي.وهنا ننبه العلماء على ضرورة أخذ دورهم بعمل جاد، وأن يكونوا على مستوى عال من الإخلاص وتحمل المسؤولية ومحاربة الرياء، وننبه جميع العاملين أن يكون هناك وعي ويقظة وتدقيق ومراجعة لكل ما يقدم من العلماء كيلا يعاد نموذج المفتي العام للجمهورية ورئيس الكهنة وسدنة القصر، فلا بدَّ من التمييز بين العلماء وتصنيفهم علميًّا بعيدًا عن الأهواء وفوضى الحركات والتنظيمات والكتائب التي لم تترك في قواميس اللغة اسمًا رنانًا إلا وزينت به صدرها!ألا ترون أنه من الواجب نسف القدسية التي خُلِعتْ على كل من لبس الدشداشة وكور العمامة؟ فهذه الصنمية أضرت بالعمل وما زالت تضره حتى استقر في أذهان أكثر الناس أن الحق يعرف بالرجال، فكثيرًا ما سمعنا ونسمع: “ولكنّ الشيخ فلان قال كذا فهل أنتم أفهم منه؟ ومن يؤيدكم من المشايخ؟ أين علماء البلد مما تقولون؟ ولو كان ما تدعونه حقا لقاله الشيخ العلامة أبي الواصل السلبعوطي رضي الله عنه، ولأخبرنا به قبل موته الفهامة الشرشقوطي قدَّس الله سره”.وربما كان الحل الأنجع لمحاربة هذه الصنمية هو الالتفاف حول العلماء الحقيقيين الذين صدعوا بالحق ولم يبيعوا أنفسهم للحكومات العميلة ورفضوا العمل مهرجين في سيرك الطغاة، وتأييدهم على بصيرة، ونصرتهم في الحق من غير طاعة عمياء.