غسان الجمعة |
لقد كان اتفاقاً هشاً منذ بدايته كنوايا أطرافه المتوجسة من بعضها البعض، فهو هدنة انتظار مآلات جديدة للخريطة السياسية والعسكرية على الساحة السورية، غير أن خروقات الأسد للاتفاق وتطورات شرق الفرات وانسداد الأفق أمام الحل السياسي ألقت بثقلها على تلك الكعكة المسماة باتفاق سوتشي، بل وأثمر الاتفاق وضعاً داخلياً سوداوي أرادت به روسيا والأسد إثبات فساد تلك الشجرة لاحتطابها عسكرياً.
روسيا التي تتمسك بشماعة الإرهاب كجسر تعبر به إلى بر المكاسب والسيطرة اصطدمت بالخطوط الحمر التركية قبل بدء هجومها على إدلب أواخر الصيف الماضي، وباتت تجد لنفسها الآن الذريعة لنسف اتفاقها مع انقرة إثر عجزها الغامض عن تطبيق بنوده وضبط إيقاعه، وهو ما ترجمته الدفاع الروسية بقصف عمق المنطقة الآمنة واستدركت هجومها بتصريح يهدد بالحسم واتصلت بنظيرتها التركية للتشاور حول وضع إدلب، فهل رفعت الأخيرة مظلتها عن إدلب؟
اللاعب التركي يخوض معركته في سورية وعينه على تهديد الأحزاب الكردية وهي مسألة شديدة الحساسية لدى أنقرة، فخيار التنازلات في ملف إدلب وارد أمام استعداداتها لإزالة هذا الخطر عن أمنها القومي، غير أن أطرافًا دولية وإقليمية لم تعد تريد استهدافها من الثغرة الكردية وحسب، إنما تحاول مواجهتها على الصعيد الإقليمي، حيث نشرت عدة وكالات عن دعم الموساد لتوجهات المحور المصري السعودي العودة لحضن الأسد لمواجهة تركيا، وهو ما يفرض على أنقرة ضرورة بناء تحالف يدعمها في معركتها المقبلة التي تتجاوز في تداعياتها و خطورتها الأطر التركية في التعامل مع الملف السوري.
فالرمادية الروسية تجاه انخراط دول التطبيع في سورية من بوابة السفارات واحتمالية إرسال القوات تنتظر خطوة أنقرة نحوها وخصوصاً بعد أن عرقلت روسيا المساعي التركية في التقدم نحو منبج.
ولأن المواقف ليست بالمجان تسعى أنقرة لرأب صدع سوتشي بينها وبين روسيا توافقياً، وقد يتم وضع تفاصيل ذلك في اللقاء المزمع عقده بين أردوغان وبوتين في الأيام القادمة بناءً على الرغبة التركية، فيما أعلن أوغلوا عن استعداد بلاده لتنفيذ هجوم(مشترك) على إدلب في رسالة واضحة لأطراف استانة.
فإلى أي مدى من الممكن أن تتنازل تركيا في ملف إدلب؟! هذا يتوقف على تطورات الانسحاب الامريكي ومدى التنسيق مع تركيا، في حين ستواجه تركيا من جديد مشكلات لا تقل خطورة عن سابقاتها متمثلة بموجات نزوح وفقدان للثقة بشركائها السوريين الذين خرجوا من مناطقهم نحو مناطق نفوذها مهجرين على ألا يبقوا تحت سيطرة الأسد، كما أن اعتماد المعارضة على انقرة في معركتها مع الاسد سيتزعزع لصالح أطراف إقليمية عربية ستحاول لعب دور جديد في سبيل محاربة السياسة التركية.
ومن أهم المخاطر التي قد تواجهها السياسة التركية في حال التخلي عن إدلب هو فقدان الدافع المعنوي لدى فصائل المعارضة في مناطق الدرع وغصن الزيتون لا سيَّما أنها ذات مكونات في غالبيتها تنتمي لأرياف حماة وإدلب وحلب، بالإضافة إلى أنها ستفقد أهم ورقة ضغط في مواجهة روسيا. فهل ستجد أنقرة حلولاً تُرضي الجميع لتحقيق مصالحها أم أنها أمام خيارات محدودة؟