الأمومة أقوى الغرائز عند المرأة، تبدأ منذ نعومة أظفارها، حيث تركز أثناء لعبها على الاهتمام بالدمى واحتضانها والعناية بها، ويكبر الحلم حتى تتزوج لتركز حول تحقيق هذا الحلم الجميل، وما إن تتأخر في الحمل تبدأ رحلة العلاج المُكلفة في العيادات، وقد تطول تلك الأحلام بسبب عقم أحد الزوجين.
أجبَرت بعض حالات العقم أولئك الأزواج على اللجوء لإجراء عملية زرع “طفل الأنبوب” أو الحقن المجهري، أملًا في أن يصبحوا آباء، فالأطفال نعمة من الله للإنسان، وزينة الحياة وروحها، وقد بيّنَ الله ذلك في قوله تعالى: “المالُ والبَنُونَ زينةُ الحياةِ الدُنيا”.
حلم الأمومة بات أمرًا شبه مستحيل في مناطق المعارضة السورية لأسباب متعددة أبرزها، ارتفاع تكاليف عملية الحقن المجهري فيما إذا أُجريت بمناطق النظام، وقد تصل إلى أكثر من 600 ألف ليرة سورية، ناهيك عن الأدوية التي يتوجب على الزوج شراءها بمبالغ طائلة قبل إجراء العملية وانخفاض نسبة نجاحها التي قد تصل إلى 40% كأقصى حد.
من ناحية أخرى تقف مخاوف الأزواج من الاعتقال عائقًا أمام تحقيق حلم الأمومة من قبل النظام السوري، خاصة إن كان أحد الزوجين من عائلة معارضة، وبالتالي تصبح مسألة خروجهما لإجراء العملية في مناطق النظام أكثر تعقيدًا.
منحة لإجراء عمليات الزرع في مشفى تركي.
“منذ شهور قدَّم مشفى تركيا منحة لعدد من الأزواج ممَّن لا يستطيعون الإنجاب بشكل طبيعي من مدينة إدلب لإجراء عمليات زرع بنصف قيمتها، حينها شعرتُ أنَّ الحلم أصبح قريب المنال بعد أن فقدت الأمل من المعالجة في العيادات النسائية والحمل بشكل طبيعي، وبالفعل سجَّلنا دوراً في معبر باب الهوى، وأعطونا موعد العملية، ثمَّ أجلوه للشهر السابع، وما زلنا قيد الانتظار، لكن على ما يبدو أنَّ هذه الوعود لم تكن إلا حبراً على ورق” هذا ما روته رزان (اسم مستعار) لجريدة حبر.
وبالتواصل مع د. (مصطفى العيدو) معاون مدير الصحة في إدلب أكَّد لنا: “إنَّ التسجيل كان عن طريق معبر باب الهوى، وإنَّ الجانب التركي بحسب علمي لا يوافق على مثل هذه الحالات الباردة، وحاليًا نحن بصدد التواصل مع المسؤولين من الجانب التركي لتوسيع دائرة الإحالات الباردة مثل: (مرضى السرطان، وعمليات زرع الأطفال وغيرها…) لكن بعد حلِّ مشكلة دخول المرافقين مع المرضى، وقريبًا ستتسلم مديرية الصحة لجنة الإحالات الطبية في المعبر وهي قيد التشكيل.”
صحيفة حبر تابعت بعض حالات لنساءٍ من مدينة إدلب يتلقيّنَ العلاج في عدة عيادات نسائية بمدينة إدلب ويعانين من حالات عقم مختلفة:
” أحلمُ أن أصبح أمًّا كأي امرأة عادية، إنَّه قدرُ الله أن يكون زوجي عقيماً، لقد أجريت عملية الزرع 4 مرات منذ سنوات، وكلها لم تنجح، أذكرُ أيام ما بعد الزرع مباشرة كانت من أصعب المواقف التي مرَّت بحياتي، عشتُ خلالها شعور ما بين الأمل والخيبة، حتى أني اشتريت ثيابًا جميلة للطفل المنتظر سرًا، كنت أريد طفلًا أحمله بأحشائي وأشعر بضربات قلبه تجاور ضربات قلبي، وأضمه في حضني المشتاق لبراءة وجهه، لكن قدرَّ الله وما شاء فعل، لقد أرهقت الأدوية والهرمونات جسدي”.
بدورها أكَّدت د. إكرام حبوش: ” بعد ثلاث سنوات من العلاج التقليدي للعقم وتناول الأدوية، نلجأ إلى التقنيات المساعدة على الحمل كالتلقيح الصناعي أو طفل الأنبوب حسب نوع حالة العقم.
إنَّ نسبة الخصوبة عند المرأة تبدأ بالتناقص بدءًا من سن الخامسة والثلاثين وما فوق، وبعد الأربعين تتناقص بشكل أسرع وأكبر، وتفقد في سن السادسة والأربعين القدرة على الإنجاب ويصبح حملها مستحيلا.”
وتابعت د.إكرام: “مسألة تأخر الحمل عند المرأة يجعل وضعها النفسي سيئاً، ويسبب لها القلق والتوتر، ويشعرها بالحزن والألم، فمشاعر الأمومة خارجة عن إرادتها”.
يساهم المجتمع المحيط بسلوكه في تأجيج هذه المشاعر عندها، خاصة إن كانت الزوجة هي العقيمة، الأمر الذي يفاقم مشكلة الحمل، عدا عن المشاكل العائلية (تدخل أهل الزوجة أو الزوج) التي تعاني منها بسبب تأخر الحمل، وهنا يجب على الزوج مراعاة هذا الأمر، وخاصة إذا قرر الزواج من امرأة ثانية.
(هبة) أيضًا من مدينة إدلب بلغت الأربعين من عمرها وأصبحت قضية حملها معجزةً حسب قولها، تروي قصة تأخر حملها باكيةً: ” الشجرة التي لا تثمر يجب قطعها،, جملة لن أنساها ما حييت، قالتها لي حماتي رحمها الله، لقد حاولت العلاج عند عدة طبيبات منذ سنوات ما قبل الأزمة، وزوجي فقد الأمل في أن أكون أمًا لأولاده، لذلك قرر الزواج مرة ثانية، وخيرني فيما إذا كنت أريد البقاء على ذمته أو الطلاق، وبالفعل جربت العودة إلى بيت أهلي، لكني قررت أن أبقى ببيت زوجي مع زوجته الثانية، أنا مؤمنة بقضاء الله، والذي وهب زوجة نبي الله زكريا يحيى ربما يهبني أيضًا ذريةً صالحة”.
قصصُ “حلمُ الأمومة” كثيرة، لكن أكثرها ألمًا تلك التي دمرتها الحرب بعد أن كانت تكاليف عمليات الزرع أكثر ما كان يُعيقها.
يذكر أنَّ علماء المسلمين أجمعوا على أنَّ عمليات زرع الأجنة حلال، لكن بشروط أن تكون العينة من الزوج، وأن تزرع برحم الزوجة التي أُخذت منها البويضة، وهذا يعني حرمانية تأجير الأرحام (الأم البديلة).