صحيح أنَّ العيد قد أتى على السوريين وهو مختلف تماماً عن الأعوام السابقة، حيث قد غيِّبت معظم مظاهر الفرحة والسعادة والعادات التي كانت شائعة بين الناس، من شراء لباس العيد الجديد والحلويات والفواكه وتبادل الزيارات بين الأقارب والأحباب، ليأتي العيد ولا يذكر الناس منه سوى بقايا عيدٍ كانوا يعرفونه، لكن مع كل ذلك فقد استطاع أهل سورية بعزيمة وصبر لا تثنيها ضربات البراميل والصواريخ التي تكاد لا تفارقهم إحياءَ روح الفرحة والسرور بقدوم العيد، فهو هدية من الله عز وجل ختم بها شهراً فضيلاً، وعلى الرغم من اختلاط الدموع بالدماء فقد تمكنوا من رسم تلك البسمة البريئة على وجوه الصغار الذين قد نسوا الدنيا وما فيها لمجرد فرحتهم بشراء لباس العيد. من بين أيديهم وبعملهم قد خلقوا الفرحة من صميم الألم والمعاناة ورغم كل الظروف التي تحيط بهم، أبوا إلا أن ينالوا نصيبهم من فرحته، لتكتظ الأسواق بالناس والبضائع المتنوعة وغيرها من حلويات العيد والفواكه. ومع أن العيد قد حل عليهم بلا ماء ولا كهرباء إلا أن إصرارهم على عدم الانكسار أمام أي شيء جعلهم يستعينون بالمولدات الكهربائية وتعويض نقصهم من المياه بمياه الآبار المنتشرة في الأحياء، حتى إن ألعاب الأطفال من أراجيح وغيرها كانت حاضرة في العيد لاستكمال فرحة الأطفال به وعدم حرمانهم منه. يقول أبو محمد وهو أب لثلاث أطفال: كنا قد نسينا نحن الكبار فرحة قدوم العيد، لكن ما يبهجنا هو هذه الفرحة الطاهرة التي تنبع من أولئك الأطفال الصغار، ومع أنني مريض بالسكري وإمكانياتي جداً ضعيفة، فقد عملت في شهر رمضان بائع (معروك) وسوس متجولًا على العربة، وكنت أعمل على (بسطة) صغيرة بعد الإفطار تحوي على بعض الأكلات وعلب شاي وعصير، وقد ادخرت مبلغًا صغيرًا من المال لأفرح به أطفالي بشرائي لهم أبسط الثياب، ففي النهاية العيد لهم. أما أبو قاسم فقال: صحيح أنه لا توجد مدينة ملاهي أو حدائق فيها ألعاب للأطفال كالسابق، لكننا آثرنا أن نجلب تلك الألعاب اليدوية وأن نضعها موزعة في بعض المناطق، ليشعر الأطفال بمعنى فرحة الألعاب التي كانوا يحبونها والتي تكون بالنسبة إليهم جزءًا من العيد. أما أم عثمان فيختلف وضعها بعض الشيء، فهي أم لأربعة أطفال استشهد أبوهم في ظل الأحداث الجارية، ومع ذلك فهي تعمل ضمن ورشة للأعمال اليدوية وعليها عبء مصاريف كبيرة. تقول أم عثمان: لقد عملت وادخرت جزءًا من أجرتي مع بعض المال الذي أتاني من أهل الخير رأفةً بوضعنا واشترت لأطفالي الثياب الجديدة والتي كانوا يسألونني عنها. ومع كل تلك المعاناة التي يعانيها الناس في سبيل حياتهم المعيشية تأتي طائرات النظام وتضع بصمتها المعروفة ماحية كل أثر للفرحة في قلوب الناس، فيبدو أن قدر هؤلاء الأطفال في حلب وإدلب والغوطة وغيرها أن يكون لبس العيد ولبس كفنهم هو آخر فرحة تختم حياتهم بها، بصمة بلون الدم وبألم يملأ الكون وجعاً وحسرةً، ألم لا يعرف حجمه إلا من عاش مع الموت وأحس بالموت في كل دقيقة وبمعنى فاجعة فقد الأحباب وفلذات الأكباد. النظام يعتقد أن الموت بالنسبة إلينا هو نهاية الحياة، ولا يعلم أننا نحتسب الله العلي الكريم على ما قدر ونصبر ونحتسب، وأننا نعاود الحياة بصبر وقوة وننهض من جديد بعد كل صاروخ أو برميل يلقيه أو أي شيء يود أن يفعله فينا. تقرير وتصوير / عمر عرب