سلوى عبدالرحمن |
أنهكه العمل وأتعبه التهجير فغفت عيناه البريئتان وهو جالس على كرسي خلف بسطته التي تحوي بعض الألعاب المستعملة في أحد شوارع مدينة إدلب، يعمل وحيد (اسم مستعار) 13 عامًا نازح من ريف دمشق لإعالة أسرته الصغيرة بعد وفاة والده، يساعده جيرانه من الباعة في فرش بضاعته التي طالما حلم بشرائها هو وأقرانه من الأطفال المتسربين من المدارس.
يقول وحيد: “أنا الأكبر بين أخوتي، اضطررت لترك المدرسة لمساعدة أمي في مصاريف البيت، وإن لم أعمل لن نتمكن من دفع آجار البيت وشراء الطعام، وأمي تعمل أيضًا في إعداد المونة لبعض العوائل في الحي. “
لم تعد مقاعد الدراسة مكانهم، إنما تجدهم على أطراف الشوارع وأمام البسطات وفي المحال التجارية والمطاعم، إنهم أطفال الحرب في سورية الذين تحولت مهامهم من الانشغال بالتعليم والدراسة إلى البحث عن عمل يساعدهم وعوائلهم لكسب لقمة العيش في ظل الفقر الشديد الذي يعاني منه 80% من السوريين حسب اليونيسف إثر تدهور الاقتصاد السوري وغلاء الأسعار، في حين ذكرت منظمة اليونيسكو في آخر تقرير لها بأن عدد الأطفال المتسربين من المدارس تجاوز 2,6 مليون داخل سورية وخارجها.
في مكان آخر ليس ببعيد عن بسطة (وحيد) يمكن للمارة رؤية العديد من الأطفال المتجولين تحت سن العاشرة، بينهم فتيات يُلحون على العابرين ليبيعوهم البسكويت، ومن ينسى قصة مقتل الطفلة نور جبلاوي (بائعة البسكويت) في أعزاز بريف حلب الشمالي البالغة من العمر 12 عامًا إثر انفجار عبوة ناسفة داخل سيارة، وقد كانت عيني أبيها الضرير ويديه الذي بدوره أصيب بجروح بالغة وتوفي على إثرها، حال نور كحال أطفال كثر تعرضوا وما يزالون للموت والعنف بشكل شبه يومي وحرموا من كافة حقوقهم وأهمها حقهم في التعليم.
أيادٍ صغيرة لمهن متنوعة منها خطيرة يعمل بها الأطفال في المناطق المحررة رغم صغر سنهم وقلة خبرتهم لساعات طويلة، معظمها تكون شاقة ومتعبة ولا تتناسب مع بنيتهم كأطفال صغار، فمنهم من يجمع الخردوات ويبيعها، ومنهم يعمل بائعًا متجولاً أو وراء بسطات خبز أو محروقات أو في المطاعم والمخابز ومحلات الميكانيك وتصليح السيارات وغيرها من الأعمال التي بمجملها تحتاج إلى مجهود عضلي.
أسباب عدة دفعت بكثير من الأطفال السوريين للتسرب من المدارس منها تربوية تتعلق بالأسرة واقتصادية وسياسية كالنزوح المتكرر بسبب القصف أو عوامل أخرى ترتبط بالحالة النفسية للطفل، ويعتبر الفقر والحاجة المادية الدافع الأساسي لتسرب الأطفال وذهابهم للعمل، فأقل مبلغ تحتاجه أسرة متوسطة العدد في سورية 3000 ليرة سورية على الأقل ما بين ثمن للخبز والطعام والتدفئة وربما الدواء.
من جهتها تعمل المنظمات والجهات التربوية على إطلاق حملات للحد من تسرب الأطفال من المدارس وتعليمهم القراءة والكتابة على أقل تقدير، وذلك عن طريق برامج وأنشطة متنوعة في مناطق مختلفة منها المخيمات لتشجيع الأطفال على العودة إلى المدرسة، وتعدُّ هذه المشاريع أو الحملات محدودة، فهي لا تستهدف سوى نسبة قليلة جدًا من الأطفال في مناطق معينة.
حلم العودة إلى المدرسة يكاد لا يفارق حديث (وحيد) كحال رفاقه العاملين مثله، ولو أنه عصي على التحقق في الوقت الراهن، إلا أن (وحيد) مصر على تحقيق حلمه بأن يصبح معلمًا كوالده المتوفى حتى ولو بعد سنوات.
يناشد أهالي الأطفال العاملين وأقاربهم المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الطفل لإيجاد حلول عاجلة والتدخل الفوري لتقديم المساعدة لهم ولأسرهم بهدف إعادتهم إلى مقاعد الدراسة.