بدا كل شيءٍ طبيعياً في بداية حفل الزفاف، فالعروس بأبهى حلة، وأهلها وصديقاتها يشاركونها فرحتها، إلاّ أنَّ هناك حزن لم يفارق عينيها، شيءٌ ما ينغص عليها “ليلة العمر”، فالحفلة انتهت كما بدأت دون وجود العريس!!
إنَّها ” ليلة ناقصة ” بهاتين الكلمتين وصفت العروس “ميساء” ليلة زفافها والدمعة تسبق كلامها، لأن عريسها “أحمد” مقيم في تركيا منذ سنوات، فالحفل كان بمثابة وداع لأهلها.
ازدادت نسبة زواج الفتيات وسفرهنَّ إلى خارج البلاد بنسبة ملحوظة في آخر سنتين، وأصبح الأمر مقبولاً اجتماعيا بعد أن كان نادر الحدوث، فغالبية الأسر السورية ذاقت من كأس الهجرة، وأصبحت معظم الأعراس تقام بعروس دون عريس، وعريس دون عروس نتيجة الهجرة التي لها أسبابها والتي لم تعد تخفى على أحد في المشهد السوري.
هذه الأعراس لا بد منها لدى معظم الفتيات المقبلات على الزواج، إذ لا بديل عن فكرة لباس الثوب الأبيض وإقامة حفلة عائلية بسيطة في بيت أهلها لتترك لهم فرحة صغيرة قبل أن تسافر إلى زوجها وتبتعد عنهم.
هكذا ودعت ” نور” أهلها وارتدت ثوب زفافها ووثقت تلك اللحظات بالصور ومقاطع الفيديو لتبقى تلك الليلة في أرشيف ذكرياتها رغم أن المشهد ينقصه وجود شريك حياتها في أول ليلة تجمعها في مسيرة زواجهما.
في حين رفضت “سارة” فكرة إقامة حفلة دون عريس، بل اختارت أن يكون زواجها بلا عرس ولا أي طقس من طقوس الزفاف المتعارف عليها، تقول: “لا يمكنني أن أتخيل نفسي بفستان أبيض وفرح دون وجود خطيبي، يكفيني أن أسافر إليه وأصل بخير ونجتمع بعد طول انتظار، فهنا تكمن سعادتي الحقيقة…”
غير أنَّ الوضع في مدينة إدلب بالنسبة إلى الشباب المهجرين مختلف نوعاً ما، فهنا العروسان موجودان، لكن مع عدم وجود أهل الشاب وذويه ليشاركوه فرحته، إلا أن العرس تحت سقف الوطن له نكهة مميزة، ولا شك أن الأهل سيسعدون بزواج ابنهم وسيتمنون له السعادة ولو عن بعد، “وائل” شاب من مهجري مدينة داريا في العشرينات من عمره أمضى قرابة العام في مدينة إدلب وأصبحت مدينته الثانية خاصة بعد أن ارتبط بفتاة من المدينة وأقام عرسه فيها بحضور أصدقائه، يقول: “كنت أتمنى حضور أهلي وإخوتي وإقامة عرسي بينهم، لكن الظروف أقوى من الأماني، المهم أن النتيجة كانت مرضية”.
الشاب “وائل” أستطاع أن يقيم زفافه ضمن عرس جماعي تكفلت به إحدى المنظمات الخيرية، حيث قامت بتزويج 15شابا وفتاة من مهجري مدينة دمشق وريفها، وقدموا لهم مبلغاً من المال ليكون مفتاحاً لحياة جديدة، وكانت هذه البادرة بمساعدة أيادٍ بيضاء رفضت الإفصاح عن اسمها، همُّها الوحيد مساعدة الشباب في زواجهم.
السيد “أبو عماد الخطيب” المسؤول عن مكتب مهجري ريف دمشق منطقة ” رنكوس” أكد لنا بقوله: “هذه الخطوة كانت تجربة ناجحة بالنسبة إلى شباب مدينة داريا، وهي فكرة قابلة للتكرار بالنسبة إلينا، وقد وعدنا بذلك من قبل الأشخاص المعنيين، وسيتم في كل فترة تزويج عدد لا بأس به من الشباب وتقديم بعض اللوازم المهمة للعروسين والأدوات المنزلية الضرورية لبداية حياة جديدة، ومبلغ معين لكل شخص أيضاً، وستقوم المنظمات بتأمين سلة غذائية متنوعة تصل لكل أسرة شهرياً.”
الزواج سنة الله في خلقه، فرغم آلام البعد والغربة يحاول البعض إيجاد مكان للفرح في قلوبهم ولو بحفلة صغيرة لبنتهم أو ابنهم بمثابة وداع، والزواج له دور كبير في توثيق العلاقات بين المدن، وزيادة الألفة والمحبة في المجتمع، فتزاوج الثقافات والعادات بين مدينتين يضفي بصمة مميزة على الأسرة التي تكتسب خبرة ممزوجة بعمر المدينتين.