عبد الله درويش |
في قراءتنا للسيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي حريٌّ بنا ألّا تتثاقل ذاكرتنا عن الخوض في الجانب الاجتماعي للنبي عليه الصلاة والسلام، وأن نغوص في تفاصيل حياته لنلتقط منها لآلئ نزيّن بها حياتنا، وتكون لنا بريقاً يجذب إليها المربّين والمعلمين وأولياء الأمور.
ومن الشرائح المجتمعية المهمة التي نحتاج تواصلاً فعّالاً معها هي شريحة الشباب؛ تلك الشريحة التي تعتبر قوّة معطلة، في عمومها، في الحياة التي تتقاذفهم يمنةً ويسرة، فيفقدون توازنهم، ويترنّحون على هامش الحياة، فلا يفيدون في شيء ولا يستفيدون أي شيء، والمجتمع هو الخاسر لكل شيء.
فكيف استثمر النبي صلى الله عليه وسلم في الشباب؟
دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة فاتحاً متواضعاً متسامحاً، ثم توجه إلى حنين وولّى عتّاب ابن أُسيد، فمن هو عتّاب؟
شاب يبلغ من العمر نيّفاً وعشرين سنة، أسلم عام الفتح، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:” يا عتّاب، تدري على من استعملتك؟ استعملتك على أهل الله عزَّ وجلَّ، ولو أعلم لهم خيراً منك استعملته عليهم”.
وأقام الحج بوصفه أميراً لمكة، وكان صالحاً، فاضلاً، شديداً على المريب، ليّناً على المؤمنين.
فما الذي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لتوليته؟ رغم صغر سنّه، وليس له سبق في الإسلام؟
والعجيب أنه خاطبه قائلاً:” ولو أعلم لهم خيراً منك استعملته عليهم”.!
وعندما اشتكى منه أهل مكة قسوةً في التعامل، قال لهم رسول الله:” إني رأيت فيما يرى النائم، أنه أتى باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فقعقعها حتى فُتِح له، ودخل”.
إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى فيه صفات تناسب القوم، من الحزم والورع، وأُطلع في المنام على مدى قيمته عند الله عزّ وجلّ، فأعطاه قدره، رغم وجود كل المسلمين آنذاك، ورغم وجود السابقين الأوائل الذين تحمّلوا المشاقّ، وهم من هم (أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي) ومن هم على قدرهم وفضلهم وسابقتهم.
كم من الشباب اليوم يتم إقصاؤهم من مسيرة الحياة، واستبعادهم من حسابات المجتمع، مما يُسبب ضعفاً في الإنتاج، وشيخوخة في الفكر، والإبداع، لأسباب لا تناسب حجم النتائج المترتبة عليها.
الشباب عصب المجتمع، وروحه، فلا نهضة بدون الاستفادة من إبداعهم، ولا نصر بلا سواعدهم، ولا بنىً تحتية بلا عرقهم، ولا ثورة بلا أحلامهم وجرأتهم، ولا مستقبل بلا طموحهم وتخطيطهم.
ولا شك أن من أهم ما يجب على المربين الاهتمام به، هو بناء الهوية في عقول الشباب، وتفعيلها، ولا يعني ذلك التقوقع والانغلاق على الذات أو التعصب للمجتمع أو الفئة التي ينتمي إليها الشاب، وإنما أن تكون تلك الهوية إطارًا لصيرورته وفاعليته في الحياة، فلا يتيه، ولا يتجمد في بيئته.
وفي ظل هجمة العولمة التي تحمل تغوّل الفكر الغربي المادي، وحالة الضعف والتفكك التي تتميز بها هذه المرحلة من الاستبداد السياسي، والقمع الذي تشهده عموم البلاد العربية وخاصة بلاد الربيع العربي، وفي ظل ذلك تُلقى على الشباب أثقال لا طاقة لهم بها، وأفكار تجعلهم يقفون حائرين، في أي الاتجاهات سيذهبون؟ وبأي الأفكار سيؤمنون؟ فتراهم يتخبطون بين الشرق والغرب، بين الدين واللادين، بين الماضي والحاضر، وبين قلق ورؤية ضبابية للحياة في للمستقبل.
من أجل ذلك كان التوجه بمزيد من الاهتمام للشباب، وتفهّمهم بدلاً من اتهامهم بالحماقة والاندفاع، هو عربون ثقة بينهم وبين المجتمع، حتى يشعروا بالانتماء الذي يدفعهم للبناء والثبات والتضحية.
وإن المسؤولية الملقاة على عاتق الشباب ممزوجة بالثقة على أنهم قادرون لتمنحهم الاعتزاز بما ينجزون، هذا الاهتمام كي يثمر ويكون حقيقياً من المفترض ألّا يكون مشروطاً بولاء لجماعة أو تيار أو فصيل أو شخص؛ وإلا فإننا كرسنا العبودية، في حياة الشباب بثوب جديد وشعار مزيّف.