تقرير: فارس الحلبيبعد مضي أربع سنوات على الثورة السورية واستمرار النظام بالعنف والتهجير والقتل من دون رادع، أصبح المواطن بحاجة إلى من يسانده ويقف إلى جانبه ويساعده على تأمين أساسيات الحياة، ولكن من المؤسف أن يشعر بالمذلة لكي يحصل على تلك المساعدة! ومن المؤسف أن تتحول الحياة في زمن الحرب إلى غابة فيها يلتهم القوي الضعيف.لقد وصلت مئات الشكاوى على عمل الجمعيات الإغاثية التي من المفترض أن تقدر ظروف الناس في الوقت الراهن، وأن تتصرف بما يناسب عملها الإنساني.جمعيات الإغاثة لماذا التصوير؟ هكذا بدأ أبو عبد الله (من سكان حي الفردوس) كلامه معناشباب الإغاثة يبذلون جهداً كبيراً لكي يوصلوا هذه المعونة المقدمة إلينا، لكن عندما نتسلم المعونة المقدمة إلينا تبدأ الكاميرات بالتصوير! لماذا؟فكما تعلم هناك نساء ورجال، عندهم كرامة وتعفف، ومشاهدة صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي ذل وإهانة، وإن اعترض أحدهم على هذا العمل يأتي الرد: لن تأخذ معونتك حتى نصورك. فتبدأ المشاكل.تقول أم سامر وهي من سكان حي كرم الجورة:الجمعيات الإغاثية تشرف على توزيع السلال، وتتأكد من وصولها للمواطن، وأحيانا يكون المشرف من قبل الجمعيات لبق المنطق وحكيم التصرف، وأحياناً يكون غليظ اللسان، في وقت الازدحام يجب أن نراعي ظروف الناس، وأن نعتبر بأن الجميع أصبحوا بحاجة وأن نهتم أكثر بوضع النساء الأرامل وزوجات الشهداء وأن تكون الأولوية لهن.الصورة مقابل علبة الحليب. هكذا بدأ أبو علي (من سكان حي الزبدية) حديثه مع حبر:لا أملك المال لأشتري لولدي علبة الحليب، فأذهب إلى الجمعيات الإغاثية، لكني لا أستطيع أخذ العلبة إلا بصورة، قالوا هي مجرد صورة توثيقية. ولكن بعد فترة وجيزة أراها على صفحات التواصل، فاعتبرت ذلك مذلة.وقد قامت حبر بنقل الشكاوى وتقديمها إلى الجمعيات الإغاثية لسماع الطرف الآخر وإيجاد الحلول واستدراك السلبيات فالتقت الأستاذ أبا حمزة من جمعية “جهادنا رغيفهم” الإغاثية، فقال:حلب مدينة عظيمة بدينها وشعبها وحجمها أيضا،والعمل الإغاثي يحتاج إلى جهود أكبر من الجهود المقدمة، والحاجة بحرٌ لا ساحل له، ونحن مضطرون إلى التصوير. وكما تقول العرب: “مُكرهٌ أخاك لا بطل” ففي وسط ما يعاني العمل الاغاثي من تكسب وبعثرة وشكوك، فإن الذين يتبرعون يريدون ما يثبت أن أموالهم وصلت إلى مستحقيها، وليس لنا مجال إلا التصوير، لأنه دليلنا الوحيد، ويضمن استمرار العمل. ومن جانب آخر فإن التصوير ينقل ما أصاب الناس من وجع. وإننا في عملنا نوصي بعدم تصوير وجوه الناس، وتصوير التسليم وازدحام الناس، أما الاطفال فهم يلحون ويطلبون التصوير.وقد التقت حبر الأستاذ أيهم المسؤول عن مؤسسة شام الإنسانية بريف حلب ليخبرنا عن حل قد ابتكر وقال:نحن لدينا ثقافة تسمى (التوثيق) يطلب الالتزام بها، والمقصود من التصوير هو توثيق العمل كضبط البيانات الذي يحتاج إلى بعض الصور والفيديوهات، فالصورة هي عامل من عوامل التوثيق فقط لا غير، وأحياناً نحتاج أثناء قيامنا بحملات إلى العمل الإعلامي لينقل حالة الناس.كما أن ثقافة التوثيق لدينا تقول:عدم تصوير وجه المستفيد بشكل مباشر، وعدم تصوير النساء نهائياً، وعدم احتواء الصورة أمورًا تخالف الشريعة الإسلامية كالتدخين، وكما يجب الابتعاد قدر الإمكان عن تصوير الأطفال أثناء حمل المواد الإغاثية، وإن أمكن عدم تصور طابور الذل الإغاثي وأبواب الفقراء والفئة المستحقة.وهكذا يبقى أملنا أن تعي الجمعيات الإغاثية قيمة عملها الإنساني النبيل، وأن تستدرك أخطاءها وتسعى إلى الارتقاء بوطنها ونفسها والإنسان.