محمد ضياء الأرمنازي
أفاد مصدر أمني أنَّ النظام السوري قام بتسوية أوضاع 333 شخصاً بموجب مرسوم العفو الذي صدر عن الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2016.
وأكد المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية أنَّ تسوية الوضع جاءت بعد تسليم الأشخاص أنفسهم لقوات الأمن، مضيفاً أنَّ عددا من الذين تمت تسوية أوضاعهم كانوا أعضاء سابقين في خلية إرهابية.
وسائل إعلام النظام ما فتئت تبث أخبار المصالحات وتسوية أوضاع المسلحين الذين تركوا السلاح “وعادوا إلى حضن الوطن”، وكانت معظم أخبار قنوات النظام تتحدث عن هذه المصالحات الحكيمة التي تخالف بمضمونها جميع تصرفاته الوحشية على مدى ست سنوات ثورية دامية.
هناك من صَّدق هذا الكلام وأمِن جانب النظام وراح يتواصل مع أقاربه ومعارفه في مناطق الثوار لحضِّهم على تسليم أنفسهم وتسوية أوضاعهم.
لكن ما هي حقيقة هذه التسويات والمصالحات المشبوهة، وهل حافظت فعلاً على حقوق وكرامة هؤلاء الأشخاص وأفرجت عنهم؟ أم أنَّها كانت فخاً لاصطياد المعارضين الذين كانوا يُقصفون بالطائرات الحربية والصواريخ الارتجاجية قبل تسليم أنفسهم؟
يقول أبو إبراهيم: “كان عندنا أقرباء في مناطق النظام، وكانوا يتواصلون مع أخي عادل لإقناعه بتسوية وضعه، كان أخي عادل يعمل في إحدى الجمعيات الإغاثية في حلب الشرقية، لكنَّه كان يرفض هذه الفكرة، لكن بعد الحصار الثاني لمدينة حلب أقنعه صهره العلوي أنَّ النظام جاد في هذه المصالحات، وأنَّه له ناصح أمين، وأنَّ هناك الكثير ممَّن سلموا أنفسهم وسُويت أوضاعهم وعادوا إلى حياتهم الطبيعية.
صدَّق عادل كلام صهره العلوي، وتوجه إلى حلب الغربية، وذهب لتسوية وضعه فعلاً، وأفُرج عنه بعد عدة أيام من التحقيق، وفاز بورقة المصالحة، وأصبح يتصل بمعارفه في مناطق الثوار ليخبرهم عن أهمية المصالحة ولطافة ضباط الأمن، لكن بعد عدة أيام أوقف أحدُ الحواجز المكرو باص الذي كان يستقله عادل، سأل الحاجز الركاب من منكم عمل مصالحة، أجاب عادل بفرح أنا وهذه هي المصالحة، أخذ العنصر المصالحة ومزقها أمام الركاب وقال لعادل تفضل معنا.
اعتقل عادل، وبعد عدة أيام سمعنا خبر وفاته في السجن”.
يقول أبو منير تاجر ألبسة: “ذهبت إلى مناطق النظام بعدما أقنعني صهري وابن أختي بالذهاب وتسوية وضعي مع ابني الذي كان يعمل في مجال النت الفضائي، توجهنا إلى مناطق النظام وأكملنا طريقنا حتى وصلنا إلى حلب الجديدة.
أقمت عند صهري المؤيد كضيف، لكن بعد ثلاثة أيام جاء الأمن إلى منزلنا وأخذني مع صهري إلى أحد أفرع الأمن، وأخذ صهري إلى جهة مجهولة، حُشرت مع مئة شخص في غرفة وأُغلق الباب، كان معظم الموقوفين من المدنيين، وكان منهم من حمل السلاح، ومن عمل في مجال الإغاثة،
فتح السجان الباب وأخذني إلى غرفة التحقيق، واستقبلني الضابط بالكف الذي خرق طبلة أذني، ثم أجلسوني في الدولاب وانهالوا عليَّ بالضرب (ببواري بلاستيكية) أغمي عليَّ من شدة الألم، ثم شبحوني وقالوا لي: أنت كنت تدعم الإرهابيين، فقلت لهم نعم، وماذا تريدون أن أقول أيضا؟
دفع أقاربي 5 ملايين لكي أخرج من هذا الجحيم، خرجت وبقي صهري في الحبس بتهمة إيواء الإرهابيين، ودفعنا نفس المبلغ لإخراجه من الحبس، ثم اعتقلتُ مرةً أخرى، ثم خرجت بنفس الطريقة، وبقي ابني معتقلا إلى اليوم، قال لنا أحدهم بعد الدفع: ابنك أصبح في سجن صيدنايا”.
يقول أبو يوسف: “سَلَّم أبو صقر المؤيد اثنين من أبنائه لأحد معارفه في أحد الأفرع الأمنية لتسوية وضعهم، بعد استقباله لهم في بيته بمناطق النظام، ثم عاد إلى بيته دونهم، لكن بعد عدة أيام من تسليمهم وصله خبر عن قتل أحدهم بعد سحبه إلى خدمة الجيش، وتصفية الآخر في السجن.”
هذه ثلاث قصص فقط من آلاف القصص التي حدثت لمعظم من أراد تسوية وضعه والعودة إلى حضن الوطن، لكنَّها لم تكن تسوية أوضاع، بل كانت تسوية أجساد، وتصفية بطريقة ثعلبية ماكرة قذرة،
لكن كيف سينظر هذا المؤيد الذي ورَّط أقاربه ورفاقه وزيَّن لهم الطريق بالورود لتسليم أنفسهم عندما دعاهم للحضور إلى سجونهم ومقابرهم؟!