إسلام سليمان |
ما آل إليه حال المسلمين في مختلف بقاع الأرض من هوان واستضعاف، يكاد يردينا سكارى من هول مشاهد الجرائم المرتكبة بحق إخوتنا، ومن شدة الظلم الواقع عليهم..
كلما قلبنا في نشرات الأخبار لا نرى سوى مشاهد تكاد تكوي أفئدتنا لفداحتها، ففلسطين مستباحة من قبل الصهاينة المحتلين، ومسلمو تركستان وبورما يتعرضون لاضطهاد وتعذيب وتنكيل، وإخوتنا في اليمن يتخطفهم الموت بسبب الجوع والمرض، كما الحال عند أهلنا في سورية من شدة البرد والصقيع، والظلم الواقع على المسلمين في مصر والعراق، والسودان والصومال والمغرب وغيرها..
أما عن سجون المعتقلين فليس فيها سوى إهانة وتعذيب، وقتل لحرية وكرامة الإنسان بلا سبب..
آهات الثكالى والأرامل، ودمع اليتامى والمشردين، وقهر رجال عجزوا عن استرداد كرامة سُلبت، وحقوق انتُهبت..
حُرمات انتهكت، ومقدسات دُنست، وأرواح زهقت من سبب أو غير سبب..
كل هذا كفيل بأن يجعلنا نخّر على أقدامنا مستسلمين قانطين..
ولكن لا.. فليس اليأس من أخلاق المسلمين، ولا الشكوى والاستكانة من شيم المجاهدين المصلحين..
نعم ألمنا كبير وفظيع، وما يحدث من حولنا يكاد يشبه قيامة صغرى، فقط، إن بقينا نتأمل المشهد من زاوية واحدة..
لماذا لا نرى سوى السواد بينما هناك مشاهد لمسلمين يعملون ويجاهدون هنا وهناك بكل ما حباهم الله بمال وقوة؟ لو تأملناها ونشرت هي الأخرى كما تُنشر هذه الأخبار لما أصابنا هذا القدر من الكآبة والتشاؤم والقنوط، لكنني أرى بأن صوت الباطل يكاد يغلب صوت الحق فيصيبنا في أعز ما نملك في زمن الفتن هذا، ألا وهو ديننا الذي هو عصمة أمرنا..
وإن ما يصيب إخوتنا في بلاد الجور والطغيان ليذكرني بقول رسول الله عندما مرَّ بعمار بن ياسر وأبويه يُعَذبون، فقال لهم وكان لا يملك لهم شيئاً: “صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة”..
لقد قالها الرسول لآل ياسر، لكنها تشمل جميع من تعرض للحرمان والتعذيب في ذاك الوقت، من بلال وصهيب وخباب وعمار وغيرهم ممن كان ذنبهم أن قالوا ربنا الله..
بل إن كلام نبينا ليشملنا جميعاً، فنحن أيضاً من أتباع أمته، ونحن أيضاً نتعرض للظلم والهوان وإن لم يكن بالقدر الذي تعرضوا له..
لا أقصد بذكري هذا الحديث أن نقف مكتوفي الأيدي ونقول للمظلومين اصبروا.. لا، بل ما أقصده بأن الرسول عندما قال كلمته هذه من جهة، فقد كان يعمل في الدعوة والجهاد، ليتم رسالته من جهة أخرى هو ومن معه من المسلمين، ولم يكتفِ بالمشاهدة والحزن والاستكانة..
بل كان يعمل ليكمل الجهاد في ميادين أخرى، هي في استطاعته ومقدرته، ونحن أيضاً علينا فعل الأمر ذاته هنا في يومنا هذا، كلٌّ يعمل بالمجال الذي يستطيع التأثير فيه، ليخدم المسلمين به، نحن مطالبون ومسؤولون عمَّا نستطيع فعله وما يقع بين أيدينا..
وحمداً لله أن هناك فئة ولو أنها قليلة فهي تعمل وبإخلاص، فالبعض يسهم بأمواله لمساعدة الفقراء والمحتاجين، والبعض الآخر يطلب العلم والدين لينشره ويفقه الناس فيه، والبعض يطبب والبعض يعمّر، وهناك من يُربي ويعلِّم ليخرِّجوا أجيالاً مسلمة تدب روح الجهاد فيهم منذ الصغر والكثير غيرهم..
لعلنا نتشاءم من قلتهم في زمن قد عمت فيه الفتن وأصبحت فيه الحياة المادية طاغية على العقول والأفئدة، وآخر ما يهتم به الناس هو دينهم وآخرتهم..
ولكن لا.. فأرض الله واسعة، والمسلمون الصادقون منتشرون في كل مكان..
فليبدأ كل منا بنفسه ليكون أول المسلمين في المجال الذي يرى أنه سيخدم أمته الإسلامية فيها..
ليس منا من لم يتسلل اليأس والعجز إلى نفسه، لكن الفارق هنا بين أن نجعله يطغى علينا فتتمرد الأنفس وتلعن الظلام والحياة والدين أيضاً! وبين أن نجدد العزم والنية ونبدأ بروح جديدة مؤمنة، لنمضي على نهج الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الذي ضحى وعمل وحده في سبيل الدعوة، حيث لم يكن هناك من ينصره ويقف معه في البداية سوى ربه..
فلنبايع الله ونواليه على أن نقاوم ونجاهد في سبيله وفي سبيل نصرة الأمة الإسلامية، ولنتكاتف ونشد على أيدي بعضنا البعض ليكون مثل كل فرد منا كمثلِ شمعة ذات ضوء ضئيل، فلما التحمت مع أخواتها من الشمعات، ألّفت نوراً مشعاً يُبددُ ظلمة الليل البهيم..
وإن أصابك اليأس يوماً ما فلا تنفّر المسلمين من العمل والجهاد بنشر كلمات حزن وأسى، بل اعمل واستقم كما أمرك الله، ساعد تبرع، تعلم طوّر مهاراتك، تصّدق شارك، أصلح ما أفسده الآخرون، بشر ولا تنفر، كفكف دمع حزين، فرِّح طفلاً يتيمًا، ربِّ أطفالاً صالحين مصلحين، اقرأ واكتب، مُر بالمعروف وانهِ عن المنكر، تعلم دينك وعلمه للآخرين، اقرأ سيرة نبيك وصحبه لتقتدي بهم..
وأهم أمر اصبر ثم اصبر على ما يصيبك.. فإن ذلك من عزم الأمور..
ولا تسأل متى نصر الله، فكما قال الشهيد سيد قطب رحمه الله: “إن النصر فوق الرؤوس ينتظر كلمة كن فيكون، فلا تنشغلوا بموعد النصر وإنما انشغلوا بموقعكم بين الحق والباطل”..