غسان الجمعة |
يشهد العراق سجالاً سياسيًا وتحركات عسكرية بين الجانبين الإيراني والأمريكي عقب استهدافات متكررة لميليشيا تابعة لإيران مواقعَ وقواعد عسكرية أمريكية دفعت بالولايات المتحدة إلى إرسال المزيد من قواتها للمنطقة، حيث صرَّح ترامب بأن كلفة باهظة الثمن ستدفعها إيران في حال إيذاء جنود أمريكيين، وأن الولايات المتحدة ستعدُّ أي اعتداء من أي مجموعة في العراق هو مسؤولية إيرانية.
التصعيد المستمر بين الجانبين بات مدفوعًا بأسباب مُوجِبة للصدام لاستمرار مشاريعهما في المنطقة، فالإيرانيون لم يبقَ أمامهم سوى المغامرة بحرب شاملة خارج حدود إيران تُحسِّن من خلالها مركزها التفاوضي والاقتصادي مع الدول الكبرى بعد أن أصبحت دولة شبه منهارة اقتصاديًا مع هبوط غير مسبوق بأسعار النفط الذي تحرم إيران من بيعه بالأسواق العالمية أساسًا (تهربه بسعر بخس) وما تعانيه إلى جانب ذلك من صعوبات صحية واجتماعية مع انتشار فايروس كورونا بشكل واسع في المدن الإيرانية.
لذلك يسعى النظام الإيراني إلى تقويض النفوذ الأمريكي أو إجباره للجلوس على طاولة المفاوضات لتحقيق صيغة جديدة سلمًا أو حربًا مُستغِلة ظروف الحجر الصحي وتوقف الاحتجاجات المناهضة لوجودها في العراق، بالإضافة إلى إشغال الرأي العام الإيراني بصراعات خارجية مع الشيطان الأكبر تغطي عن فشله الذريع في إدارة البلاد ومقدراتها.
كما أن الرئيس ترامب يسعى إلى تحقيق المزيد من الإنجازات التي ستدعم حظوظ فوزه بولاية ثانية بالانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام من خلال تحجيم النفوذ الإيراني أو سحقه كليًا، بالإضافة إلى أن استقرار القواعد والنفوذ الأمريكي في العراق بات ضروريًا لتحقيق وتنفيذ ما يُعرَف بصفقة القرن التي يديرها صهر الرئيس الأمريكي (جاريد كوشنير) .
حفظ ماء الوجه الذي تم بعملية الرد على قتل (قاسم سليماني) بغض النظر لصالح من تم التخطيط له، وتجهيزه بهذه الوتيرة لن يتكرر بين الجانبين في حال الصدام؛ لأن الانسحاب الأمريكي من بعض القواعد على الحدود السورية العراقية وتركيزها بقواعد أكبر مع منظومات دفاع جوي هو عمليًا حالة تأهب للوثب بأي لحظة على الأذرع الإيرانية مع تواتر التهديدات من الأمريكيين بشكل مستمر على مدار الأيام الماضية.
ومن جهة أخرى فإن أجواء التهدئة التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها بين الأتراك وقسد في سورية الذراع الأمريكية شرقي الفرات والمتممة عملياً لعملياتها ونفوذها في العراق توحي بإمكانية تحقيق الهدف الإسرائيلي بطرد إيران من سورية والرغبة الأمريكية بتحجيمها في العراق عبر جبهة طويلة تمتد من أربيل شمال العراق إلى مدينة الرقة ومنطقة دير الزور على حدود المواجهة مع إيران على ضفاف الفرات في سورية.
المواقف الدولية من هذا الصدام هي في صالح الكفة الأمريكية، فإسقاط الطائرة الأوكرانية و دعم الميليشيات المتطرفة في المنطقة و منافسة المصالح الروسية وعرقلة الحلول السياسية في سورية بالإضافة إلى تهديد إسرائيل، كلها عوامل تضعف الموقف الإيراني على الساحة الدولية والإقليمية وتجعل منها هدفًا لا يقل خطره عن تنظيم داعش، بل إنها عقبة ابتزاز و متاجرة سياسية في كثير من ملفات المنطقة يجب حلها.