غسان الجمعة |
ما إن دخلت حزمة العقوبات الثانية حيز التنفيذ، والتي أنهت المهلة الممنوحة لثماني دول من استيراد النفط الإيراني، حتى تعرضت سفن تجارية في الخليج (ناقلات نفطية) لاعتداءات، وشنت ميليشيات الحوثي الموالية لطهران هجمات بطائرات مسيرة على نقاط نفطية سعودية، اتهمت فيها الولايات المتحدة إيران بالوقوف خلفها.
على إثر تلك الرسالة التي أنكرتها طهران، عززت الولايات المتحدة قواعدها بالمنطقة بقوة ضاربة، وأردفتها بجولة إقليمية ودولية عبر وزير خارجيتها للحشد ضد طهران، أنهاها بومبيو بتحذير الحكومة العراقية من خطر وتداعيات أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة من الميليشيات الموالية لإيران.
الحرب النفسية بين الطرفين لم تهدأ يوماً، إلا أنها اليوم اقترنت بتحركات عسكرية وتحضيرات سياسية ختمتها الإدارة الأمريكية بتحذير رعاياها في العراق والإمارات على ضوء التوترات المتصاعدة في المنطقة.
النية الأمريكية المتصاعدة للدفع نحو حرب مع إيران أكمل مشهدها رجل سليماني في العراق (قيس الخزعلي) عندما هدد الأسبوع الماضي بضرب القوات الأمريكية في إشارة لقاعدتها في التنف التي تُعيق تحركات الإيرانيين بين سورية والعراق، وهو ما يمكن أن يحول هذه القاعدة، فيما لو تم استهدافها، إلى بيل هاربر جديد يُعطي الذريعة الكافية لصقور البيت الأبيض للطلب بالرد عسكرياً على إيران، وهو ما أكده بومبيو للعراقيين بأن الاستهداف سيكون لقواعد الحرس الثوري نفسه.
من جانبها طهران باتت تتعامل مع التهديد الأمريكي بشكل أكثر خشونة رغم أن سياستها تقوم على ضبط النفس في التعامل مع الأمريكيين واستخدام الحرب المحدودة غير المباشرة معها عبر وكلائها، وأحياناً ليس ضدها بالتحديد إنما ضد حلفائها، غير أن الوضع الإيراني المتأزم الذي بات يقوم على قاعدة (ما في شيء نخسره) يدفع طهران لرفع حدة التصعيد سيما أن المواجهة المحتملة لن تجد فيها طهران أعدائها سوى بالدول المجاورة، وهو ما دأبت إيران على تحضيره منذ سنين لهذا اليوم، مما سيوفر لها فرصة التعبئة الداخلية و تجاوز الخطوط الحمر خارج حدودها، وهي نقطة القوة الوحيدة التي تتفاخر بها.
أسباب وظروف المواجهة باتت متوفرة بين الطرفين، وقد بلغت المراوغة ذروتها بينها وباتت المعركة بالنسبة إلى النظام الإيراني مسألة وجود أو عدمه، وبالنسبة إلى الأمريكيين فإن المحافظة على تدفق النفط للأسواق العالمية وحماية إسرائيل وسلب الصينيين والروس وتقليم المخالب الإيرانية، أسباب كفيلة بضرب إيران وتحجيم دورها الإقليمي والدولي.
رغم ذلك فإن ما يُثار يبقى أمراً محتمل الوقوع، لكن ما بات مؤكداً هو تضخم حجم الضغط على إيران للرضوخ ومطالب الأمريكيين (بالتفاوض) وتبقى مسألة حسم المواجهة بين الطرفين على المدى الإستراتيجي البعيد خسارة لكليهما رغم أن رحى مواجهتهما ستدور في بلدان عربية، وربما بمواردها وببنادق أبنائها، إلا أن الولايات المتحدة لن تغلق منجم الذهب الخليجي، إذ بيدها (حمايته) وطهران لن تضحي بسهولة بعواصمها (حلم إمبراطورتيها).