إسلام سليمان
((فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))
القصص هي إحدى ميزات القرآن الكريم في معالجة القضايا المجتمعية عبر طرح قصص الأولين التي تجسد مشاكل الفساد المتفشي في المجتمعات، سواء في السابق أو الحاضر، والقرآن يسرد هذه القصص عن طريق ذكر القضية أو المشكلة مع ذكر الأسباب المؤدية لها، وأحياناً يخبرنا بالحلول المناسبة لها وكيفية تجنب الوقوع بها، أو يتركنا نتفكر فيها ونصل إلى الحلول عن طريق إعمال العقل الذي وهبنا الله إياه.. فهذه القصص ليست لزمن معين، بل لجميع الأزمنة، ممَّا يترتب التفكير بحلول تناسب كلَّ عصرٍ بحسب ما يناسبه، لكن هناك بعض القضايا أساسية ومتفشية بشكل كبير، وأحياناً لا ندركها ولا ندرك عاقبتها على الرغم من ذكرها في القرآن، وإحدى هذه القضايا “العنصرية”..
قضية العنصرية ذكرت في القرآن في أماكن عدة وعلى شكل قصة مشهورة لدى الجميع، لكن البعض ربما لا يدرك الغرض من ذكرها، إنَّها قصة خلق آدم ورفض إبليس السجود له، ولعلَّ ذكر بعض الآيات حول هذا الموضوع يعيننا في فهمه من منظور جديد..
((لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين)) سورة الأعراف
((إِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً)) سورة الإسراء
((ذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين)) سورة ص
نرى في الآيات امتناع إبليس عن السجود بسبب استكباره وتعاليه وشعوره بالأفضلية عن غيره، وجميعنا يعرف نتيجة فعله هذا ألا وهو الطرد من الجنة ولعنة الله عليه إلى يوم الدين..
الأمر نفسه يتكرر في كلِّ زمان ومكان وبمختلف النواحي تحت إطار ما يسمى “أنا خير منه”
سواء من ناحية العرق، أنا عربي، أنا كردي، أنا أجنبي، أنا تركي إلخ..
أو من ناحية التحصيل العلمي والمهني، وأحياناً تصل إلى أمور تافهة مثل: أنا أجمل منه، أنا أطول منه، أنا أذكى منه إلخ..
وأحياناً أخرى تصل إلى أمور لا يجوز التفضيل فيها أصلاً مثل: أنا مسلم وهو كافر أو ملحد.. وقِس عليها التفضيل بين المذاهب، إنَّه التكبر والتعالي مجدداً لكن بألوان وأشكال مختلفة دون أن ندري أنَّ عاقبتنا من الممكن أن تكون مثل إبليس تماماً أو أصعب؛ لأنَّ الله نبهنا بخطورة هذا الفعل..
دين الإسلام يتعالى عن هذه العنصرية تحت شعار: إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم، وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:(لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى). أنسينا سلمان الفارسي وبلال الحبشي وغيرهم من كبار الصحابة المبدعين في مختلف المجالات، الذين كان أحد أسباب دخولهم للإسلام هو عدم التمييز وبعده التام عن العنصرية التي كانت تسود تلك الجاهلية التي نعيشها اليوم في واقعنا الحالي؟! إنَّ العبرة ليست في شكلك وجنسك وعرقك، بل في عملك وفيما قدمته للمجتمع والأمة.
الكلام يطول في هذا الموضوع، لكني أحب أن أختتم قولي بمقولة للمفكر الشهيد سيد قطب: (لا حاكمية إلا الله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد، لأنَّ السلطان كله لله، ولأنَّ (الجنسية) التي يريدها الإسلام للناس هي جنسية العقيدة، التي يتساوى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله، وهذا هو الطريق..)