بقلم ياسمين حاج محمدشكَّلت هجمات باريس الإرهابية التي هزت فرنسا والعالم بالأمس والتي راح ضحيتها ما يزيد على مائة شخص موجةً من الغضب والتنديدات الواسعة على مستوى الدول والجمعيات والمنظمات والأفراد من مختلف الأعراق والأديان، وقد كشفت هذه الأحداث الكثير من الأقنعة التي لا زالت الثورة السورية المباركة تكشفها كلما امتد بها الزمن وكلما تكالبت عليها أعداؤها واشتد الخناق عليها وبانت الازدواجية المقيتة التي يتعامل بها الغرب مع الإنسان، كما بانت الانتقائية التي تحكم علاقات بعض البشر في هذا الزمن الصعب الذي يتنكر فيه الإنسان لأخيه الإنسان ويغدر به ويكون سببا من أسباب حزنه أو حتى موته، ففي حين يموت الأطفال السوريون ذبحا وقصفا وبردا وجوعا وحزنا وغرقا، ويشرد الآلاف في وطنهم وفي دول اللجوء، ويغرقون في البحار الباردة، وترمَّل النساء على يد نظام فاق في إجرامه حدَّ الوصف والتعبير، وفي حين تُقصف المدينة الأقدم في العالم والمدينة التي أخرجت للعالم الأبجدية، وتتساقط أحجارها التاريخية الأثرية على رؤوس سكانها الطيبين، أمام كل هذا الإجرام الأسدي يبكي العالم وينتحب على باريس مدينة العهر والشذوذ والسقوط الأخلاقي، باريس تلك المدينة التي يُدعى فيها حاليا إلى حفلة جنسية في أحد شوارعها العامة ردا على هجمات باريس!نعم هذه هي المدينة التي يتباكى عليها الانتقائيون وأصحاب العين الواحدة!لا أدري تحت أي مسمى سيصنف هذا التمييز الذي يفرق بين الدم والدم وبين الإنسان والإنسان، وكأنَّ الموت الذي اجتاح الفرنسيين في ليلة واحدة ليس هو الموت الذي يجتاح سورية منذ خمس سنوات لم يعرف فيها السوريون فيها طعم الراحة والأمن والأمان.لماذا لا يتعامل العالم بشكل عادل وبنفس الطريقة مع جميع البشر بلا تمييز أو تفريق أو تعصب أو كراهية؟! لماذا لا يجد الطفل السوري أو العربي أو المسلم من يمسح دموعه ويقدِّم له لعبة ودفتر رسم وعلبة تلوين ورغيف خبز، ولا تجد الأرملة من يعطف عليها ولا يستغلها؟! إنَّنا لا شكَّ ندين استباحة دماء الأبرياء الذين لا يؤذوننا ولا يحاربوننا ولا يقفون في طريقنا، ولكن يؤلمنا حقا أن نرى دموع أبناء جلدتنا تسفك على باريس ولا تبك على أختها دمشق ولا تتذكر حمص وحلب وحماة وإدلب وغيرها من المدن السورية الأبية على الرغم من صلات الدين واللغة والتاريخ والأخلاق والقيم والدم.وممَّا نعجب له اليوم أنَّنا رأينا أقواما منَّا يرفعون العلم الفرنسي فوق أبراجهم العالية التي تطالوا بها وفي ملاعبهم وفي دور لعبهم ولهوهم، بل إنَّ بعضهم جعله صورة شخصية على موقع التواصل فيس بوك تحت شعار (أنا فرنسا)، يرفعون ذلك العلم الذي دفع أجدادنا من دمائهم ليطهروا الأرض التي ورثناها عنهم، فلأنَّنا نحترم أجدادنا الذين وضعوا حجر أساس التحرر والاستقلال في بلدنا الحبيب لا بدَّ أن نصرخ بأعلى صوتنا (أنا سورية).