بقلم سها عاصيإنَّ أظلم صورة يمكن أن تُبادر الذهن هي أن يُقيد الإنسان نفسُه بأصفاد الجهل وقيود الخرافات والاستسلام.ودائماً ما نستمع إلى هيئات ومؤسسات ووسائل إعلام إقليمية ودولية تهدف لحماية المرأة ودفعها لخوض غمار ومعترك الحياة، مخالفين في أغلب أهدافهم وتطلعاتهم مبادئ الشريعة الإسلامية وهويتنا الثقافية.لكنني وفي ضوء الوسط الذي أعيش فيه لاحظت أنَّ هناك انتقاصًا أو خللاً في حقوق وواجبات المرأة المسلمة والتي تقرُّها لها الشريعة الإسلامية والسنة النبوية.ولكي لانسلك مسلك المنصات والمنابر الأخرى ونلقي اللوم على الرجل دائماً ونحمِّل الحكومات والمجتمع الذكوري مسؤولية جهلها وتخلفها وضعفها، قلت: لماذا يجب أن يكون خلف كل جريمة وضحية فاعل مع أنَّ الانتحار بحدِّ ذاته هو جريمة ترتكبها الضحية بحق نفسها دون أن يكون هناك مجرم؟لماذا لا ترى هذه المرأة في رغبتها (وهي النسبة الأكبر) في ترك مقاعد الدراسة وإغلاق باب غرفتها على نفسها وفتح أبواب الأمية والتخلف على مصراعيها مشكلة؟! وأنَّها بذلك تكون قد دقَّت أوَّل مسمار في نعش جهلها بفعلتها هذه.كما أنَّه هل يوجد أهم من الارتباط والزواج الذي لا ترى فيه أغلبهنَّ أنَّ الأمر يحتاج لتفكير، وأنَّ الخاطب هو من يختار ويقبل دون أن يكون لها ذلك، أليست هذه فاتحة معظم الارتباطات؟وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن”وثمَّة عادة جاهلية أخذت تتجذر في مجتمعنا وخصوصاً القروي وهي حرمان الأنثى من رزق مساق لها (الإرث) ألا تعلمين أختاه أنَّ تنازلك بصمت سيُفسر ضعفاً وليس كرما، وستتعلم بناتك الخنوع لإخوتهم الذكور، وسيتربى أبناؤك هؤلاء على أنَّ التركة من بعد والديهم هي لهم خالصة وقد يفعلون ذلك أمام عينيك؟!وقد قال الله تعالى “للرجال نصيب ممَّا ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب ممَّا ترك الوالدان …. مفروضاً”من ربَّت وتربَّت على الخوف والممنوع والعيب ولم تُبين ويُبين لها الحلال والحرام، ستعيد مسلسل جهلها وقهرها أجيالاً عديدة، لأنَّ من ستربيه هي الأم والزوجة والأخت والخالة والأخ والأب والعم والقاضي والطبيب والوزير، هم الجيل، هم المجتمع، فإن أردتِ الخروج من عتم قوقعتك إلى نور الإسلام كوني أنت الأخيرة وابدئي بغرس غراس الرحمة في قلوب أبنائك، مثل تكريم الأخت والعناية بها وتمكينها من حقها بمساعدة إخوتها، وعلمي ولدك أنَّ المستقبل يخفي له قارورة تحتاج لكنفه ورفقه، وأنَّ لها عليه حقوق شتى، اغرسي فيه صلة الرحم والمودة لخالته وعمته، وأنَّ لهنَّ عليه حقوق وواجبات، علمي ولدك الرفق بأخواته وأن يعينهم على العلم، لأنَّهم بحاجته مثل حاجتهم له، عندها فقط تقدمين للأجيال ما لم يقدمه لك أحدعذراً أمي إنْ قسوت ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يموه بعض المغرضين ويزعم بعض الجاهلين أن الإسلام لا يشجع على تعليم المرأة، وأنه يفضل أنه تبقى جاهلة أو أقرب إلى الجهل.وهذا محض افتراء ظاهر على الإسلام، فما من دين ولا مذهب في الحياة دفع الإنسان إلى العلم كما دفعه إليه الإسلام، إنه دفع الإنسان كلِّ الإنسان بشطريه الذكر و الأنثى إلى مجالات العلم المختلفة، وإلى ميادين المعرفة والبحث عن الحقائق، بكل قوة، إعلانًا منه أن الطريق الصحيح إلى معرفة الله والإيمان به، والاستسلام لشرائعه إنما هو طريق العلم.أليس في الآيات التي بدأ الله بها الوحي لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم إعلان قوي لهذه الحقيقة؟إن أول ما بدئ به من الوحي قول الله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) إنه لأمر بالقراءة باسم الرب الخالق، الذي خلق الإنسان كل الإنسان بشطريه الذكر والأنثى من علق ، وفي هذا إشارة إلى أن المخلوقات هي مجالات المعرفة التي تأخذ بيد الإنسان إلى معرفة الله، والبحث فيما خلق الله هو السبيل الأقرب والأقوم لطلاب المعرفة ومتتبعي الحقائق، أين كانوا وفي أي منهج علمي سلكوا.ولقد بدأ الوحي بالأمر بالقراءة لأنها أهم وسائل تثبيت المعارف، ومتابعة حلقاتها، والقراءة إنما تكون بعد الكتابة، ومن أجل ذلك أظهر الله منَّته على عباده إذ علّم بالقلم، أداة الكتابة الكبرى، فعلَّم الإنسان كلَّ الإنسان بشطريه الذكر والأنثى ما لم يعلم.وهذه الدعوة التي دعا الله بها الإنسان إلى العلم، منذ اللحظات الأولى التي بدأ بها إنزال تعاليم الإسلام، أكبر برهان يدل على التسوية التامة بين شطري الإنسان الذكر والأنثى، في ميدان دعوتهما إلى العلم والمعرفة، والتأمل فيما خلق الله، والدعوة إلى استخدام الوسيلتين المترابطتين ببعضهما، وهما القراءة والكتابة.ولما كان العلم هو الطريق إلى معرفة الله والإيمان به، والطريق إلى معرفة الأحكام الدينية التي يكلفها الإنسان ذكرًا كان أو أنثى، كان من المتحتم على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم ما يهديه إلى هذه الأمور المسؤول عنها مسؤولية شخصية أمام الله.من كتاب أجنحة المكر الثلاثة لـ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني