الأندروفوبيا هي صيغة مركبة من كلمتين الأولى: أندرو، مشتق من الصيغة الهرمونية الذكورية “الأندروجين” والأخرى “فوبيا” عبارة عن مخاوف نفسية تتشكل لدى الإنسان تجاه أشياء معينة. وأندروفوبيا مجردة هي هلع مرضي ترتبط أسبابه بطفولة الفتاة، ينجم عن تجربة سيئة مرتبطة مباشرةً بجنس الذكور.
أما أندروفوبيا نساء الجاهلية فهي نظرية قائمة على الافتراض، دعائمها نساء المجتمعات المتطورة، وقضية الظلم الاجتماعي المزعومة التي يتداولنَها في كلِّ مناسبة، يقصدْنَ بالظلم الاجتماعي الذي يفرضه عليهنَّ ذكور المجتمع، فيتخوفنَ باستمرار من أي جملة فيها “لا” ينطقها الرجل، تنص هذه النظرية على أنَّ: “الرجال ظالمون ظالمون، لا تغيرهم الأديان و لا السنون” .
تبدأ الحكاية المفترضة قبل الإسلام بعد كان ياما كان في جاهلية الزمان من سالف العصر والأوان حتى كان، حيث كانت الجدة أم جهلان تستقبل زوجها التعبان، تستمع إلى شكواه مردداً: جوعان، عطشان ،بردان، فتختلط عواطفها بين الخوف والحنان، فلا تنفكُ تتركه حتى تطمئن أنه شبعان ويشعر بالراحة والأمان، لكنَّ أبا جهلان لا يقيمُ للعدل ميزاناً، يطمع بضعفها ويجافيها ويُعيِّرها بفلانة زوجة فلان لا تلد له إلا الذكور، ويوم العار والأشجان عندما يولد له إناث، فيواريهنَ بالتراب بدلا من أخذهنَّ في الأحضان، و زوجُه صامتةٌ تتجرع الذل والخذلان، (ياويلها )إنْ تفوَّهت بعد فضيحتها، فلو عفا عنها وترك رأسها ما تردد هنيهةً أن يقتلعَ اللسان، و على هذه الأحزان شهِد شهودُ عيان، وعاشوا الحكاية نفسها، وتناقلوها على مرِّ الأزمان إلى أن جاء الإسلام خاتمُ الرسالات والأديان، فأعاد الحقوق لأصحابها وأقسط الميزان، وقلب حال المرأة رأساً على عقب، ورفع مكانتها وأكرمها، وأكد أنَّه لا فرق بين ذكر و أنثى، فكلاهما إنسان.
عند هذه النقطة من الحكاية تماماً توقفت النساء مع أنّهنَ خرجنَ في نقلة نوعية من الظلمات إلى النور، وشهدنَ بأنفسهنَّ ما استصلحَه الإسلام من العادات والتقاليد، فحرَّم عقوقَ الأمهات، ووأدَ البنات، وأوجبَ تربيتَهنَّ والعناية بهنَّ، واستوصى الرجال بهنَّ خيراً ومعروفاً، إلا أنّ مرثيّةَ أم جهلان بقيت راسخةً في عقولهنَّ، وبقي الرجل جاثوما يريد قتلهنَّ باستحيائهنَّ ليكُنَّ موؤدات على قيد الحياة.
لا ننكر أنّ الحال قبل الإسلام كانت أشبه بهذا التوصيف المخيف، لكنَّها سرعانَ ما تغيَّرت وتبدلت بتعاليم الشريعة السمحاء، خاصة في ظل التطور والتقدم ومضي أعوام طويلة على تلك المغيّبات من العادات، لكنَّ ما يصيب نساءَ المجتمع الإسلامي ما هو إلا نفحاتٌ من ريحٍ سموم آتية من المجتمعات المجاورة التي لا تدين عمومُها بالإسلام، وقلةُ صبرِ المرأة وفهمها كسببٍ آخر أكثرَ أهميةٍ.
فعندما تفتح إحداهنَ التلفاز تجوب بين محطاته، فتشاهد الغراميّات التركية والهندية تارةً، وعرضًا مغريًا لأزياء الموضة، و عُرِيّ الفتيات وحريتهنَّ المطلقة تارةً أخرى، أو ربما تقرأ رواية أو أفكارا تنادي بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل شيء، من المؤكد أنَّها ستُصاب بطغيان النفس الأمّارة بالسوء وسيادتها، و إنّ أولَ ما ستفعلُه حال قدومِ زوجها أنْ تعرض عليه تلك الأفكار التحررية وتزينها له كأنَّ الشيطان يقف على حافة شفتيها، فإن أجابها بالرضا كان منفتحاً و مناصراً لقضايا المرأة وحريتها، وهذا يرضيها بالطبع، أما إذا أعرض عنها فتلك هي الطامّة الكبرى، (فياويلَهُ ياسوادَ ليلِه) هو من جلب المصيبة لنفسه وعليه أن يتحمل مسؤولية قراره التعسفي هذا. كيف له ألا يكون كأبطال الدراما رومنسيّا يحترم الحريات؟!
إذ يدعو بطلنا المنشود حبيبته تفعل ما يحلو لها دون محاسبة! مؤكداً أنَّها من فرضت شخصيتها و لم تسمح له بتعدي حدوده والتطاول على حريتها، (معناها الحل عندك يا مرة، حاولي وإلا ما تنجحي)، ستحدث نفسها عن هذا في غضونِ خمسِ دقائقَ من الصدمة الأولى برفضه، ثم تنطلق شاكيةً باكيةً، بل ربما شاتمةً تسلُّطَه واضعةً كُلَّ اللوم على حظِ دينِها أنْ جُعِلَت القوامةُ للرجال على النساء، بإطلاقها هاشتاغ (حكم القوي ع الضعيف) … مقولة أم جهلان نفسها، لكن الفرق أنَّها كانت تمتمة خافتة على دورها، فالجدران لها آذان، وجريمة المزح مع أبي جهلان، لا عليكم من هذا، إنَّما هي قلةُ الفهم التي عَنيتُها بدايةً ووضعتُها سبباً لها، أما قلةُ صبرها تكمُن في أنَّها ستقوم في اليوم التالي بتغيير تلك المحطات باحثةً عن أخرى لعلها تجد فيها نصيرَ أفكارها وتتعلم طرق الدفاع عن حريتها الشخصية لتقوِّي بها رغائبها وتواجه زوجها بقوة دفاعية قائمة على علوم المنتديات التحررية، دون أنْ تفكر بسبب رفضه أو أنْ تبحث عن هذه النقاط وتتحرى صوابها .
وحقيقة القول: إنَّ رفضَ الرجل أمرٌ كهذا هو من قبيلِ القوامة المحمودة والمطلوبة منه شرعاً وأخلاقاً، فقد علِم الله فيه تأنّياً ورجاحةً وقدرةً على التحمل أكثرَ من المرأة، كان ذلك سببا في منحه سلطانَ أمرها ليقوِّمَ أخطاءَها ويكون لها عوناً وناصحاً وطريقاً مضمونة إلى الجنة.
امرأة تلوح بالتحرر الانحلالي أيًّا كانت، هي وأمثالها وغيرهنَّ من العصريّات يتمنينَ أن يحظينَ بزوجٍ كزوجك حريصٌ عليهنَّ ومحبٌ حقيقي لا يطيقُ أن يرى بأسا بهنَّ، فلا يغرنَّكِ كذبُ الشاشات، ولا حِلق الاجتماعات التحررية، إنَّها لتخفي من ورائها جهلاً مركباً أشدَ ممَّا كان عليه القدامى أيام جهلهم البسيط.
الأزمان تغيّرت، والرجال -على ما أعتقد- من الظالم أبو جهلان إلى المظلوم أبي خوفان، كذلك المجريات والقضايا تبدلت، فقضية كهذه يحفل بها الغرب، لكن الإسلام تخطاها منذ عقود طويلة.
حريٌّ بنا أن ننظرَ إلى ما هو أهم، ونتابع التقدم، وحسنا ما تقومين به إن استبدلت أندرولوفيا “love” بأندروفوبيا، ولك الحرية.