غادة جمعة |
أعرف هواجسكِ جميعها … لا تحدثيني عنها. يا ابنة الشمس خمسون عامًا رأيتكِ تعيشين القلق والتعب، تُشككين في واقع مرّ وادعاءات مسمومة تأرجحكِ بين فكي كماشة أطبقت عليك بشدة لا تسمح لكِ بالانفلات والتحرر، لكنها لم تستطع كسركِ وبقيتِ كحبة حنطة في الرحى تتوقعينَ الطحن كل لحظة في مجتمع لا يرحم الضعيف.
ومضى بكِ قطار العمر، وحاكمكِ المستبد يُلقي عليكِ خطاباته الرنانة المزركشة بصور التقدم والازدهار الذي ترفلينَ به، ويمن عليك بحقوق تنعمينَ بها من عطاءاته الكريمة. دولته المصون تسهر على راحتكِ وأمنكِ وسلامة عائلتكِ وقد سُنتِ القوانين الاستثنائية ورفعتْ حالة الطوارئ القصوى من أجلكِ… قوانين وتشريعات لم تكوني يومًا تحلمينَ بها كما قِيل لكِ.
أيتها المرأة السورية باركَ لكِ المصفقون هذا المنصب الجديد أنك أصبحت عضوًا في مجلس الشعب، وانتزعتي القيادة من أعظم الرجال.. صوركِ غطت الجدران يصاحبها الطبل والزمر، ومقابلات انتصاراتكِ ملأت قنوات التلفزة المحلية، كل هذا لم يكن أن يحدث إلا بفضل القيادة الحكيمة، والعطاءات الكريمة من سيد الوطن!
بعد كل هذه الرعاية السخية، وبعد كل النجاحات المبهرة التي حققتِها بفضل إحسانه يا سيدتي، أسألكِ: لماذا خرجتي تناصرينَ الرجل في الحراك الثوري من أجل الحرية والكرامة عام 2011؟!
نظرتُ في عينيها، كانت تبوح بكل هواجسها وتقول: لقد اكتشفت اللعبة وعرفت ماهي الخديعة والتضليل الذي رافق سنون حياتي، وشهدت هدر طاقات المرأة وتغييبها، ولطالما انتظرتُ اللحظة والتزمت الصمت حرصًا على عائلتي بعد أن شاهدت بأم عيني عذابات مَن حولي في الفروع الأمنية ومعتقلات التعذيب ومعاناتهنَّ في البحث عن أولادهنَّ أو أزواجهنَّ المغيبين دون حق، وكيف كنَّ يرجعنَ بلا جواب.
وسمعت كيف تقطعت بهنَّ سبل العيش لفقدان المعيل واختفائه دون عودة، وواكبتُ قتل النساء في جرائم الشرف دون سنّ قوانين حاسمة لمعاقبة الجاني، وشاهدتُ الرشاوي وغياب العدالة والمساواة، والعسكرة المتسلطة الفاسدة التي لا تسهر إلا لحماية مكاسبها المادية.
اليوم بعد أن خرجتِ، سيدتي المرأة، ونفضتي عن ثوبك غبار الذل والهوان، وانبعثتِ من جديد، لا ترضَي بغير العلا، لا تقبلي بالدون، ادخلي من الأبواب الواسعة، ضعي هدفًا واضحًا لنفسك تصنعينَ معه مستقبلكِ، اعزمي أمرك على تحقيق الهدف ولو تعثرتِ بضع خطوات، تعلمي الانخراط في الحياة الجديدة، لا تفكري في استرضاء الآخرين على حساب مستقبلك، لا تتوقفي عن التعلم.
عهدتُ بكِ التحدي …التحدي هو تحقيق الذات. واعلمي أنه كما قِيل:
“إذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام “