صهيب طلال أنطكلي |
قال: هل قرأتَ قصة (ليلٌ أليم)؟ نعم، كانت رائعة جدًا، وقصة (رحيل الغمام)؟ طبعًا، تلك القصة جعلتني أبكتني، قال: “هذه القصة أتعبتني، جاءتني فكرتها في عمق الليل، فكتبتُ أسطرها الأولى، ثم غابت المعاني عن روحي، فهجرتها يومين، ثم كتبتُ في اليوم الثالث وكانت نهايتها ليلة البارحة.”
كان ذلك حوارٌ بيني وبين صديقي الكاتب عندما زرته في بيته، بدأ يسرد عليّ آلام الكتابة ومخاض المعاني السهل أحيانًا والعسير أغلبَ الأحايين.
كان الطريق الطويل إلى غرفته اليتيمة المستأجرة مظلمًا وباردًا، قال لي: “تخيل، يا صهيب، لو أن كاتبًا مبدعًا وجدَ نفسه وحيدًا وراء البحارِ في جزيرة نائية لا أحد فيها إلا هو وأحلامه وتخيلاته ومعانيه التي تفيض، هل تُراه سيبدع قصصًا أو أشعارًا أو روايات وهو يعلم أن الأشجار حوله والطيور والغيوم لا تستطيع القراءة ولا تعي معاني الكلمات؟! هل يستطيع أن يكتب لنفسه فحسب إن لم يجد قارئًا يعيش معانيه؟!” قلت: “لا طبعًا، فالكاتب يبدع للآخر، وإن بقي نتاجه وإبداعه حبيس الأدراج ولم يرَ النور فسيبقَ إبداعًا فرديًا لن يبرح بوح الشخص لنفسه.” قال: “وهذا ما أعانيه تمامًا، فبعد نشر أحد الصحف لقصتي (رحيل الغمام) بخمسة أيام، نالت إعجابين وأحببته!”
لا يبدو أنّ ألمَ صديقي من ندرة القارئين والمتفاعلين مع إبداعه أمر خاص، فهذه الشكوى قديمة حديثة، عانى منها الكثير من الكتاب والمبدعين.
يحاول عقلي ألا يضل الطريق المبلل وأنا عائد إلى بيتي من زيارة ذلك الصديق، فتفكيري بما يشكوه جعلني أستشعر قيمة بضاعة الأدب والثقافة التي باتت مزجاة، فنحن لا نقرأ إلا قليلا، سواء كانت الحروف مجموعة في كتاب ورقي أم إلكتروني؟! لقد أدمنا على وسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل اللمحة السريعة، فأصابعنا تنقل المدونات أمام أعيننا كلمح بالبصر، ولا نكاد نهتدي لقراءة مدونة كاملة.
ربّما من أطرفِ الحلول التي قرأتُها لمعالجة عزوف النّاسِ عن القراءة هو إدراجُ عقوبة السّجن داخل مكتبة، أو تلخيص كتاب عقوبة للذي يخالف الأنظمة والقوانين، تخيل نفسكَ محبوسًا بين مئات الكتبِ لمدة أسبوعين لأنّك خالفتَ أنظمة المرور، وعليكَ أن تلخّص كتابًا ضخمًا على سبيل المثال لأنّك تأخرت في دفعِ فاتورةِ الماء أو الكهرباء! ربّما تبدو هذه العقوبات طريفة، لكن قد تسهمُ في الحل.