عبد الحميد حاج محمد |
شهدت الفترة الأخيرة استشهاد عدد من المدنيين من أهالي ريف إدلب في الأراضي القريبة من خطوط التماس مع مليشيات الأسد، وذلك أثناء عملهم في جني محاصيلهم الزراعية من أراضيهم.
وقد أدت الألغام وحدها لقتل وإصابة العشرات من المدنيين، بعد وقوعهم في حقول ألغام، أو ألغام فردية من زرع مليشيات الأسد التي تهدف من خلالها إلى تحصين مناطق سيطرتها ومنع تقدم أي تحركات باتجاه منطقتها.
يقول الناشط الإعلامي (سعد الدين زيدان) لصحيفة حبر: “تشتهر منطقة جبل الزاوية بمواسم زراعية يعتمد عليها أبناء الجبل كونها دخلًا أساسيًا لهم ومنها موسم (الكرز، والمحلب، والتين، والعنب، والزيتون) وبعض هذه الأشجار المثمرة تقع في قرى وبلدات متاخمة لخطوط التماس بالقسم الجنوبي والجنوبي الغربي للمناطق المحتلة من قبل ميلشيات الأسد”.
ووفق (زيدان) فإن المئات من أولئك المدنيين يخاطرون لجني محاصيلهم التي تقع بمناطق خطرة جدًا؛ بسبب الأوضاع المعيشية السيئة التي تمر بهم في مناطق نزوحهم، حيث سعى النظام إلى القضاء على أي مظهر للحياة هناك.
وتشهد المناطق القريبة من خطوط التماس تحليقًا مكثفًا لطيران الاستطلاع الروسي، وتقوم تلك الطائرات برصد أي حركة ليتم التعامل معها بشكل مباشر بالقذائف الصاروخية والمدفعية التي أوقعت عددًا كبيرًا بين شهيد ومصاب في صفوف المدنيين، بحسب (سعد).
وقد كان آخر المدنيين الذين قضوا نتيجة الألغام الأرضية قبل ثلاثة يومين شابين من أبناء بلدة (داديخ) جنوب إدلب التي تسيطر عليها قوات الأسد، إلا أن قسمًا من أراضيها هو تحت سيطرة فصائل الثوار.
وفي تفاصيل ارتقاء الشابين يحدثنا (عبدو) أن “الشابين (سعد القاسم، ويعقوب الحجي) مهجرين من (داديخ) قدما إلى أطراف البلدة حيث القسم الغربي يوم الخميس الفائت بهدف إلقاء النظر والاطلاع على أراضيهم الزراعية (أشجار الزيتون) كون الموسم اقترب.”
وبحسب (عبدو) فإن “بعض الشباب كانوا قد حذرا الشابين بعدم الدخول، إلا أنهما أصرا الدخول إلى المنطقة التي تعدُّ قريبة من سيطرة قوات الأسد، وأثناء اطلاعهم بين أشجار الزيتون فجر أحد الألغام على أحدهم ما أدى إلى ارتقائه على الفور، ليقع بعدها الشاب الآخر في حقل ألغام ويرتقي بعده بساعات.”
وقد استطاع عدد من المقاتلين التابعين لفصائل الثوار التسلل إلى المنطقة والبحث عنهم لعدة ساعات في وقت متأخر من الليل ليعثرا عليهما وقاموا بسحبهما إلى النقاط المتأخرة.
(عامر) أحد مالكي الأراضي الزراعية بالقرب من منطقة (سان، جوباس) شرق إدلب حيث يملك أرضًا مزروعة بأشجار التين، إلا أنها مطلة على ميلشيات الأسد، يقول لحبر: ” في أول موسم التين ذهبت من منطقة نزوحي في إدلب إلى أرضي وقد منعني المرابطون في المنطقة من الدخول أكثر من مرة، إلا أنني استطعت الدخول بعد عدة محاولات، كنت متأملاً جني محصول التين، إلا أنني عند دخولي الأرض وجدتها مليئة بالألغام ولا أعلم من زرعها قوات الأسد أم فصائل الثوار كونها تقع بين الطرفين.”
وأشار إلى أنه قد نجا بأعجوبة كون الألغام مزروعة بطريقة ذكية جدًا، وهي من نوع (وثَّاب)، حيث يمتد شريط اللغم المتفجر الذي بالكاد أن يرى بالعين المجردة من شجرة إلى أخرى وبمجرد لمسه يخرج اللغم وينفجر، ويُعدُّ هذا النوع من أخطر أنواع الألغام.
وكانت قد أصدرت غرفة عمليات (الفتح المبين) في وقت سابق قرارًا يقضي بمنع دخول المدنيين إلى عدة مناطق تعدُّ من خطوط التماس مع مناطق سيطرة نظام الأسد في ريف إدلب.
وفي هذا الصدد يقول المتحدث العسكري في “هيئة تحرير الشام” (أبو خالد الشامي) لصحيفة حبر: “هناك تعميم من قبل غرفة عمليات (الفتح المبين) يقضي بمنع أهلنا المدنيين من الاقتراب من خطوط التماس بيننا وبين ميلِشيات الاحتلال لغرض أو ٱخر؛ لأن منطقة التماس منطقة عسكرية ولا نضمن فيها سلامة أحد، فضلاً عمَّا تشهده هذه المناطق من قصف واشتباكات شبه مستمرة؛ إلى جانب قيام العدو بتسللات نهارية وليلة، ما يهدد أمن وسلامة الأهالي.”
ويضيف (الشامي) بأنه قد حصلت حالات تجاوز، كان ضحيتها بعض الأهالي بعد دخولهم منطقة التماس إما بقنص غادر من ميلِشيات العدو أو عبر انفجار لغم فيهم.
ولم تستطع (حبر) الوصول إلى حصيلة نهائية ودقيقة لعدد الضحايا من المدنيين جراء دخولهم إلى مناطق التماس بريف إدلب؛ وذلك بسبب اختلاف الجهات التي تعمل على سحب جثامين الضحايا، واختلاف المنطقة، ووجود عدد من المفقودين الذين لا يعرف مصيرهم حتى اليوم.
ويؤكد (سعد الدين) أن “الناشطين أبناء المنطقة يسعون لتنبيه سكان المنطقة بخطورة الاقتراب من مناطق التماس، وذلك من خلال مراصد المنطقة الذين يطلقون نداءاتهم عبر القبضات اللاسلكية ويحذرون المدنيين في حال تحليق أي طائرة استطلاع بالأجواء، بينما أطلق عدد من الناشطين الإعلاميين منشورات تحذيرية وتوعوية لتحذيرهم المدنيين من عدم الاقتراب من المناطق العسكرية.”
وبحسب جميع المصادر التي تواصلت معها (حبر)، فإن سوء الأوضاع المعيشية هو الذي يدفع الأهالي أبناء المناطق القريبة من خطوط التماس إلى المخاطرة في أرواحهم لجني محاصيلهم الزراعية التي تعدُّ مصدر دخلهم الوحيد.
ووفق ما رصدناه من الأهالي، فإن العديد منهم يتجهز للدخول إلى مناطق قريبة من خطوط التماس لجني محصول الزيتون الذي يعتمد عليه مزارعو ريف إدلب بشكل كبير، وذلك مع اقتراب موسمه.
وكانت قوات الأسد قد سيطرت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والأشجار المثمرة بريف إدلب، وعملت على سرقتها ونهبها، وتعمل حاليًا على استهداف المدنيين في ظل الاتفاق المزعوم بوقف إطلاق النار.