الاتفاق الأخير حول إدلب يضع السوريين أمام واجب كبير من العمل، وتقديم نموذج لكيفية إدارة سورية في المستقبل، بعيدًا عن تضييع الوقت بالخيال والتكهنات التي تجعل إدلب كغزة الفلسطينية، أو التي تجعل الاتفاق مقدمة لحرب شاملة أو تلك التي تسبح في فضاءات أخرى لا تفعل شيئًا سوى زيادة الانقسام والعطالة.
التجارب السابقة للمناطق المحررة (بما فيها تجربة درع الفرات) لم تكن ناجحة، سواء بسبب الظروف غير المستقرة التي رافقتها، أو بسبب حدّة الانقسام الذي كان ينتابنا بعد كل إنجاز، فبدلاً من أن نجتمع للاستثمار فيه جميعًا، كنَّا نتفرق حول السيطرة عليه، وتخوين بعضنا وتراشق الاتهامات حول صكوك الوطنية والثورية المقيتة.
لقد كنَّا أشد من حاربْنا أنفسنا منذ بدأ حراك الحرية في سورية، واستطعنا بنزاعاتنا المدنية قبل العسكرية أن نوفر على النظام جزءًا كبيرًا من المعركة، فعدم رغبة جزء منَّا بأن يعمل تحت غطاء جزء آخر، أو بالتشارك معه، جعلنا جميعًا أكبر الخاسرين، والمؤلم أنَّنا كنَّا ننتشي بخسارتنا ونعتبرها إنجازًا أفضل من نصر لا يجعلنا وحدنا بالمقدمة.
الاتفاق قد لا يصمد إذا لم نكن على قدر المسؤولية التي تجعل منَّا شركاء حقيقين في هذه المرحلة، نمتلك مفاصل القوة ونراعي المصالح المشتركة مع الحلفاء، دون أن نكون ضعفاء أو تابعين حمقى، فالتابع لا يمكن أن يؤمن للشركاء أي استقرار لأنه لا يمتلك وجودًا حقيقيًّا يستطيع أن يؤثر به. وعلينا أن نعمل على ترسيخ هذا الاتفاق كخطوة جيدة في طريق حرية وطننا أفضل من التناحر حول مآلاته، والتندر حول صموده بين الأطراف الدولية.
نحتاج من الجميع حالياً أن يكفوا ألسنتهم عن كل ما من شأنه أن يوقف عجلة العمل، وأن يشمروا لسدِّ الثغور الكثيرة في هذه المنطقة المحررة في مختلف المجالات سواء كانوا موجودين في سورية أو خارجها، وعلى الشباب بالذات أن يكونوا جاهزين لأخذ زمام مبادرة العمل والعطاء وتدوير العجلات دون مقابل في البداية، لأنهم الوحيدون القادرون على ذلك في ظل تشرذم النخب، وهم أيضاً من يستطيعون جمع الناس بمختلف توجهاتهم خلف عملهم وإرادتهم، لأنهم القوة الأكبر على الأرض والأكثر قدرة على التأثير.
المدير العام | أحمد وديع العبسي