غسان الجمعة |
تمسَّك مبعوث النظام السوري في آستانة (بشار الجعفري) بما أسماه مكافحة الإرهاب في إدلب، وتوعد باستمرار عمليات قوات الأسد في منطقة خفض التصعيد الرابعة، في حين تضاربت تصريحات مسؤولي الخارجية الروسية بين تهديد وتحميل للمسؤولية للجانب التركي باعتباره الطرف الضامن لتنفيذ اتفاق سوتشي في ظل قصف ممنهج ومركز على قطاعات محددة في سياسة روسية تعتمد على حملات صغيرة يردفها عمليات مباغتة لميليشيا فاغنر.
ورغم نجاح الاتفاقات العسكرية في شرق الفرات بين الجانبين الروسي والتركي، خرج وزير الخارجية الروسي (لافروف) عقب لقائه ترامب بتصريحات تحمل الجانب التركي مسؤولية الفشل في إدلب لعدم قدرتها على فصل الإرهابيين مؤكداً ضرورة سيطرة نظام الأسد على المنطقة في نهاية المطاف.
غير أن المتابع لتعامل الجانب الروسي بخصوص ملف إدلب يرى من خلاله ما هو غريب عن ساديتها العسكرية وازدواجية معاييرها السياسية، فعدم التزامها باتفاق سوتشي من جهة وتصريحاتها بالحلول السياسية من جهة أخرى، يكشف عن رغبة موسكو في تحويل إدلب إلى ثقب أسود لتسوية مصالحها في عدة محاور دون خسارة هذه الورقة التي تريد حرقها ببطيء.
ولعل أولى تلك المصالح هي المحافظة على بقاء النظام السوري تحت الطاعة الروسية حتى يتم تسوية الوضع بصورة أعم وأشمل في سورية، فرغم قرابين الولاء التي قدمها الاسد للروس إلا أن فرص عبثه مع الإيرانيين أو غيرهم ضد المصالح الروسية ممكنة جداً ولا سيما مع وجود تنافس خفي بين طهران وموسكو على الاستئثار (بالغنيمة) السورية.
ومن جانب آخر تتعمد موسكو المراوغة في إدلب للحفاظ على شماعة وجودها وإنفاقها العسكري في سورية أمام الرأي العام الروسي الذي يشهد تراجعاً اقتصادياً وحراكاً سياسياً بين الفينة والأخرى ضد الكرملين، وهو ما يدركه بوتين جيداً ويحاول في كل لقاء موجَّه للرأي العام الروسي التأكيد على محاربة التطرف في سورية وضرورة القضاء على (القاعدة) في إدلب هذا المصطلح الذي يُثير بالمواطنين الروس البعد القومي ويذكرهم بفترة انهيار الاتحاد السوفيتي وما بعده من أحداث في الشيشان.
ومن جهة أخرى تحاول روسيا الضغط على الاتحاد الأوربي من خلال تلويحها المستمر بشن عملية عسكرية واسعة بإدلب الأمر الذي سيتسبب لها بموجة لجوء جديدة، وسيزيد من حدة الانقسامات في بيتها الداخلي، ولذلك هي تستعمل أسلوب هزِّ العصى لتمرير سيناريوهاتها السياسية سواء في آستانة أو جنيف وغيرها من دون أن تكدر الدول الأوربية صفاء مخططات موسكو سوى بالتصريحات التي باتت للاستهلاك الإعلامي.
أما المحور الأهم في ورقة إدلب بالنسبة إلى موسكو هي تركيا الحليف المنافس الذي يعتبر أمن المنطقة الحدودية من أمنه القومي وباتت لها قواعد داخل مناطق نفوذ النظام (نقطة مورك) ولها نفوذ كبير على المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً في إدلب وسواها، والحقيقة أن موسكو تعمل جاهدة على عدم إزعاج أنقرة بهذا الملف لأهداف هي أكبر من السيطرة على الأرض أو التسبب في مشاكل لأنقرة وعلى رأسها موجات اللجوء، فإدلب هي بوابة العلاقة التركية مع نظام الأسد كون ملف شرق الفرات يدخل في تعقيدات هي أعمق من فتح هذه العلاقة، ودائماً ما تلمح موسكو لجاهزيتها لعب دور الوسيط، و إن كان ذلك سيحصل ستكون إدلب بوابته، بل إن تفعيل الطرق الدولية و بدء دوران عجلة الاقتصاد السوري سيكون من البوابة التركية ،فلذلك لم ولن ترغب موسكو بإغلاق ملف منطقة خفض التصعيد الأخيرة بتصعيد عسكري، فحله حتماً هو المرآة التي تعكس الصورة النهائية للمشهد السوري وهو ما تأجله موسكو و أنقرة لحسابات إقليمية ودولية.