غسان الجمعة |
جاءت مخرجات قمة موسكو بين الرئيسين أردوغان وبوتين مخيبة لآمال الشارع السوري المعارض بعد ما لمس الثائرون في وجه الأسد جدية التحرك من قبل الدولة التركية في معارك إدلب وعزمها الوقوف في وجه النظام السوري بشكل مباشر ومن يقف خلفه بشكل غير مباشر، غير أن الاجتماع الذي وصف بالحاسم تمخض عنه برتوكول إضافي لاتفاقية سوتشي من ثلاث بنود تصب جميعها في مصلحة الأسد وحلفائه.
في بنود الملحق الجديد تظهر السطوة الروسية من خلال فرض رؤيتها بإدلب، في حين لم تحصل تركيا على أي من مطالبها سوى تعزية ماكرة من قاتل الجنود الأتراك عدا عن إغفال الكثير من القضايا المهمة التي تناسها الاتفاق عمدًا إما لخلاف أو لرغبة منتصر، وهنا يمكننا أن نسأل هل هزمت أنقرة أمام موسكو في إدلب؟
في مسرح العمليات في إدلب منذ أن استخدمت تركيا قوتها العسكرية بوضوح بدأت الروح المعنوية لقوات المعارضة ترتفع، وألحقت المسيرات التركية بالقوة البرية للميليشيات الروسية خسائر فادحة وزادت من قوة عددها وعديدها حتى وصلت لأربعين نقطة مدعمة بآلاف الجنود وبدت ميليشيات الأسد كفريسة سهلة أمام الجيش الوطني وحليفه التركي، غير أن المسار الدبلوماسي فاجأ الجميع باتفاق هش، ما دعا كثيرون للجزم بوجود تفاهمات أعمق وأكبر بقيت خلف الأبواب المغلقة، وجميع التحليلات مبنية على فكرتين، الأولى هل رضخت تركيا لتهديدات روسية حقيقية وقبلت بالأمر الواقع وتراجعت؟ والأخرى أن تنازلاً روسياً استحق الصمت التركي عن دماء شهدائه ومطالبه القوية قُبيل الاجتماع كان نتاج إصرار تركي اعتبر موضوع إدلب فوق كل اعتبار وأغلى من أي تكلفة؟
السيناريو الأول يفترض استخدام بوتين للورقة الكردية التي تعتبر حساسة جداً لأنقرة ولاسيما إن هددت موسكو بتزويد الميليشيات الانفصالية بأسلحة نوعية ودعمها سياسيًا في مواجهة تركيا وإن كان على حساب الأسد، مما يعني العودة بتركيا إلى مربع مخاوفها الأول بعد أشواط طويلة حققتها في عمليات المناطق الحدودية.
بالإضافة إلى ذلك يمكن لبوتين أن يستغل تراجع الناتو عن دعم تركيا عسكريًا بالتهديد المباشر لها وخصوصًا أن تعزيزات ضخمة للبحرية الروسية عبرت من أمام أنظار الأتراك من مضيق البوسفور بمواكبة إطلاق عملية درع الربيع، عدا عن وجود عشرات القواعد التركية المحاصرة في إدلب تحت المظلة الروسية، وبالنهاية فإن روسيا دولة عظمى في حسابات القوى على الساحة الدولية.
أما الورقة الاقتصادية التي تعتبر سلاحًا بيد الطرفين فإن استخدامها من قبل موسكو له وقع أشد على أنقرة والقطيعة التي حصلت عقب إسقاط الطائرة الروسية في عام 2016 من قبل تركيا أثرت بشكل واضح على الاقتصاد التركي أكثر منه على الروسي.
أما السيناريو الثاني فهو إمكانية نجاح الدبلوماسية التركية بمساندة الرسائل العسكرية التي وجهها الجيش التركي لروسيا وحلفائها وبقدراته العسكرية المحلية، فالتوجه التركي لطاولة المفاوضات كان أفضل بكثير من جولات سابقة حققت فيها أنقرة مكاسب دون الحاجة لإشهار الذراع العسكرية، وممَّا يعزز هذا الاحتمال تسريبات وسائل الإعلام لطلب روسي من أنقرة عدم نشر مقاطع تدمير منظومات روسية مؤخرًا.
كما أن حرص موسكو على عدم الصدام الجوي مع تركيا في عملية درع الربيع، في المنطقة التي تتغنى موسكو بالسيطرة على سمائها، يتنافى مع هزلية المخرجات الأخيرة وسطحيتها، فهل حصل أردوغان على صفقة سياسية تتعدى حدود سوتشي وإدلب وحفظ ماء وجه موسكو أمام الإعلام ببرتوكول تكتيكي لخطوات وتفاهمات لاحقة؟!
بالنهاية تبقى المتغيرات الدولية منافذ هرب للساسة والدول، وأياً كانت طبيعة الاتفاق وصبغته بين الطرفين فإن المواقف والأحداث ستكشف نواياه مع العلم أن للرئيس الشيشاني الأول (جوهر دوداييف) عبارة يجب ذكرها في هذا المقال: “من يعقد اتفاقًا مع الروس كمن يكتب مقالاً على وجه الماء”.