علاء العلي |
شهدت الفترة الأخيرة تطوّرات مهمة على صعيد الميدانين العسكري والسياسيّ في الشمال الغربي من سوريّة، تصدّرت فيها إدلب ذروة المشهد، حتى باتت شغلاً لوسائل الإعلام الرّسمية الأمريكيّة، فما التّحولات الجوهريّة التي تقف خلف هذا الاهتمام؟!
التّصريحات المتلاحقة التي تأتي من (جيمس جيفري) حول إدلب التي فنّد فيها المزاعم الروسيّة حول التظاهر المسلّح للمحتجّين على طريق M4 الدّولي، الذي سعت روسيا لتسويقه إعلاميًا لتبرير استئناف حملتها البربرية على المحرر، جاءت داعمة بشدة للحراك السلمي، لتعطي رسائل صارمة للأطراف الأخرى أن التظاهر محقّ وهو سلميّ وحق مشروع، وقطع دابر الروس عن هذا المأرب.
حالة التسخين الأمريكيّة التي تمت وتتم، وآخرها تذكير وزير الخارجية الأمريكي بومبيو بأن روسيا هي الطرف المسؤول عن قتل الجنود الأتراك في المحافظة، يشكل تجييشًا وإذكاءً للصراع الروسي التركي الذي ما برحت تثبطه اللقاءات المتواصلة، ترغب الإدارة الأمريكية بعدم إنهاء ملف إدلب، ولا تريد الحلحلة ميدانياً، فهي تعلم إن انتهى هذا الملف ستكون أمام استحقاقات حسّاسة شرق الفرات، والهروب نحو إدلب إعلاميًا يشكل التنفيسة عند كافة الأطراف، فروسيا تراه هروبًا من مواجهة أمريكا شرقًا، وكذلك أمريكا تخشى تسليط الضوء على وجودها الذي بررته بإنهاء تنظيمات تراها مصدر قلق للأمن العالمي.
أدركت الإدارة الأمريكية أن إدلب تمثل مبعث قلق أمني حقيقيّ على دول الاتحاد الأوروبي، ويدعم هذه الفرضيّة التصريحات المتعاقبة لحكوماته التي تريد إنهاء العنف بطريقة تمنع موجات الهجرة غير الفعالة كما تصفها، وأمام التعنت الروسي الذي يبقي الحل العسكريّ هو المتصدر على باقي الحلول، بات يستوجب من الجميع الوقوف بشكل فعال مع السياسة التركية، وتقديم كافة الوسائط المتاحة بما يتماهى مع بروتوكولات التفاهم الأمريكية الأوروبية مع تركيا.
تصدير ملف إدلب لشاشات الإعلام وأروقة الأمريكان السياسية، وشهادات منظمات مدنية وشخصيات واكبت الحراك السوري أمام مجلس الشيوخ، وكشف جرائم النظام السوري في سورية عمومًا وفي إدلب خصوصاً، وفتح النافذة أمام المتابعين الأمريكيين، يعمل على تسريع تبني قرارات على مستويات رسمية ذات أهمية قصوى، وخلق حالة من الضغط الشعبي الذي تحاول تمريره وسائل الإعلام عبرها، يدلل على أن قرارات باتت متوقعة ستصدر قريبًا بما يخص المحافظة السورية المنكوبة، وللوضع السوري عمومًا.
تُذَكِّر دائمًا الإدارة الأمريكية روسيا أنها لن تسمح بنصر ميدانيّ في إدلب للنظام السوري و داعميه، خطوة ترى أنها إن تحققت ستفرض واقعًا سياسيًا وميدانيًا يكرس ويعزز دور نظام الأسد، الأمر الذي يتنافى مع قرارات جنيف الدولية وإجراء تغييرات حقيقية في منظومة الحكم، التذكير بجنيف نقطة ابتداء تراه روسيا يمكن وأده من إدلب، ولهذا يصر الجانب الأمريكي على جعل إدلب بوابة الحل السياسي ومفتاحه وفق سورية الجديدة، سورية التي تقسمت فعليًا على الأرض، بشريًا وجغرافيًا، والإبقاء على هذه الديموغرافية الدينية ابتداءً والسياسية انتهاءً، وهما ركنان أساسيان تبني عليهما الإدارة الأمريكية شكل الحل النهائي، وتلهث روسيا جاهدة نحو تمييعه وبسط النظام الحاكم التجانسي بعقلية البعث وأزلامه.
إدلب ليست عقدة، بل مفتاح التغيير وصولاً لنظام تعددي، يقضي بمحتواه على الفكر الشمولي، الذي تسعى روسيا لإنتاجه في إدلب، وتعويم نظام المصالحات الذي يعيد القضية للمربع الأول ونقطة البدء.
لعل الهدف البعيد من الحفاظ على إدلب ينتهي فعليًا بإنهاء مساري آستانة وسوتشي، وهو هدف لا يقل أهمية عمَّا ذكر سابقاً، إبراز بوتن ضعيفًا وهزيلًا سياسياً بعد تدخل دام أربع سنوات، و تقديمه للشارع الروسي بهذا الوصف، هدف سامٍ يظهر الجبروت الأمريكي القادر على فرض شكل الحل النهائي ووقته كما يعتقد السّاسة الأمريكيون، فرط المحور المتشكل حول إدلب يعني الضربة القاصمة لإيران أولاً، و فك الترابط الروسي التركي والعودة بالتحالفات القديمة، ونسف السياسة الروسية برمتها من إدلب، لعلها أهداف سامية حققت كثيرًا من أهداف أمريكا في الشرق الأوسط من بوابة المحافظة التي كانت منسية يومًا ما.