غسان الجمعة |
رافقت وحدات من الجيش الروسي الأسبوع الماضي رتلاً عسكرياً تركياً يحمل إمدادات لوجستية للقوات التركية المتمركزة في نقطة مورك التي أحاطت بها ميليشيات الأسد وباتت في عمق سيطرته، هذا التحرك والتنسيق خلَّف صدمة في الأوساط السورية موالاة ومعارضة، وقد أثبت وزير الخارجية التركي كلامه بأن نقطة مورك غير محاصرة بالأفعال لا بالأقوال.
التحول التركي في منطقة خفض التصعيد الأخيرة من خلال الانخراط في جغرافية تقع تحت سيطرة الأسد يُنبئ بالكثير من التطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية في إدلب، فحفاظ أنقرة على قواتها بحماية روسية وضع المعارضة السورية أمام تساؤلات عديدة حول جدوى بقاء القوات التركية في مناطق سيطرة الأسد الذي يُطبل إعلامه ليل نهار ضد سياسات أنقرة وجيشها وماهي جدوى المحافظة عليها، في حين وُضعت لحماية المدنيين والوصول إلى وقف للعمليات العسكرية تطبيقاً لمقررات سوتشي بعد أن ابتلعت روسيا والأسد المنطقة وهُجِّر سكان المنطقة المحيطة بها.
يوماً بعد يوم تتعمق الشراكة الروسية التركية على مختلف الأصعدة خارج ما بات يُوصف بالحريق السوري الذي تتعقد مسالك المصالح فيه بين الطرفين في منحى يكاد للوهلة الأولى يخرج عن السيطرة، وسرعان ما تخبو نار الخلاف من خلال تحكيم كلا الطرفين لقاعدة ماذا سأكسب وماذا سأخسر في حال المواجهة والصدام، حيث تلعب المصالح دوراً كبيراً في ضبط ميزان العلاقة والشراكة على إيقاعات القتل والتدمير في إدلب.
إن غض الطرف التركي عن تقدم ميليشيات الأسد المدعومة روسياً في إدلب ليس ضعفاً أو عدم مبالاة تركي، إنما تجاوز عقبات على رقاب السوريين، إذ يحاول كلا الطرفين استعراض قيمة التنازل أو المكسب للطرف الآخر، فالروس يزيدون الضغط على المدنيين لدفع الأتراك التمسك بهم أكثر وإشعارهم بضرورة العلاقة مع موسكو، والأتراك يستعصون بالمعارضة قدر حاجتهم في إدلب للحصول من موسكو على المزيد من الصفقات السياسية والاقتصادية، فهي لعبة عضِّ الأصابع المغموسة بالعسل وصراخ أحدهما ليس بوجه الآخر، إنما يسعى الطرفان للاستثمار بذلك خارج دائرة الضرر بينهما كما تفعل تركيا بملف اللاجئين مع أوروبا وروسيا بتمييع الحل السياسي من خلال تحجيم نفوذ المعارضة.
إن مسلسل ذبح السوريين في إدلب مستمر في ضوء الانسجام الروسي التركي الذي تزداد حميميته، وليس مستبعداً أن يحتفظ بوتين لأردوغان بمصالحه في سورية بعيداً عن نظرية الواجب التاريخي والأخلاقي الذي انطلقت منه أنقرة في رعاية المعارضة السورية والسوريين، فالمهم هو في لغة المصالح الحصول على النتائج بغض النظر عن أساليب تحقيقها، وبقاء أنقرة خلف خطوط الأسد مؤشر قوي على ذلك، حيث يسعى بوتين لتوطيد علاقته مع تركيا من باب المصالح الوطنية داخل الحدود التركية بعيداً عن نظرية المهاجرين والأنصار وإرث السلطنة التاريخي، وهو ما رضخت له تركيا على ما يبدو.
الجدير بالذكر أن كل ما يجري يتم بأيدي السوريين موالاة ومعارضة، وهم مجبرون على قبوله ذلاً ومهانة، فلا الروس احترموا عداوة حليفهم مع تركيا، وتركيا لم تقم وزناً لتعهداتها أمام المعارضة عندما قامت بدور الضامن، والسؤال إلى متى ستستمر أنقرة بالتماهي مع إشعال موسكو لحريق إدلب؟ وهل ستدرك خطورة لعبها بهذه النار؟!