علاء العلي |
قاسيةٌ جداً تلك المشاهد التي تتزاحم على وسائل الإعلام الرسمية والعالمية القادمة من محافظة إدلب السّورية، التي تُعد آخر معقل تتحصن بها معظم القوى البشرية المعارضة لنظام الأسد الطائفي بشقيها المدنيّ والعسكري، وذلك بعد حملة قصفٍ عنيفة جداً لا تكاد وتيرتها تهدأ حتى تذكي نيرانها تصريحات السّاسة من شتى دول العالم المنخرطة في الصراع.
هذه البقعة الجغرافية الغنيّة بمخزونها البشريّ الذي ناهز الثلاثة مليون نسمة وفق إحصائيات الأمم المتحدة، تشهد تخبّطات حادّة من حيث التعامل معها لإرضاخها لحلّ سياسي نهائيّ دائم وشامل، فبالوقت الذي تعتبر تركيا أن وضع المحافظة معقّد جداً يحتاج حلاً سلميًا و حوارًا بناءً بين كل الأطراف الفاعلة عسكرياً و مدنياً، ترى روسيا أن لا حل فوق العسكرة لكبح نفوذ التنظيمات التي ما برحت تنعتها بالراديكالية والتطرف لتسحب إليها تعاطفًا دوليًا يبرر حملتها الدّموية ضدّ سكّان المحافظة.
هذا التباين الحاد في وجهات النّظر يستقطب قوى أخرى فاعلة تدعم طرفًا على حساب طرف، فبالوقت الذي يحاول الأوروبّيّون والأمريكان دعم توجّه تركيا في حلحلة سلميّة وترتيب وضع الميدان؛ تذهب إيران إلى أبعد حدّ في دعم توجه الرّوس في تغليب العسكرة مدعّمة مواقفها السّياسية بإجراءات عسكريّة لوجستية وبشرية ومالية أيضًا مساندة للقوات الجوية الروسية ونظام الأسد.
ينام ويستفيق أهالي المحافظة على أخبار حبلى بالتناقض الذي لا يدع مجالاً للشكّ بأن خلافًا حادًا بات يشكل تهديدًا خطيرًا على وجودهم فيها، لم تعد تقنعهم تصريحات الأتراك على المستوى الرّسمي، بل أصبحت مبعث قلق حاد، ذلك بعد إفشالٍ متعمّد من قبل الروس لكل رسالة تصدر من أنقرة في ميدان المحافظة.
تسعى حكومة أنقرة بكل جهودها الدبلوماسية لكي تحدث خرقًا في هذا الملف مستنفرةً لذلك كافّة مؤسّساتها الخارجية والاستخباراتية والأمنية بدون جدوى تذكر، على العكس تمامًا، ازدادت شراهة الرّوس بقضم المزيد من أراضي المحافظة.
مع كل رسالة سلم تصل من عاصمة نحو إدلب تردفها رسالة دم من عاصمة أخرى! لتتحول هذه المحافظة إلى صندوق بريد يدفع سكانها فاتورةَ تبادل الرسائل من دمائهم وفقد أراضيهم، تراهم هائمين على وجوههم نحو برد الشمال ومخيماته التي لا تتناسب مع السكن الآدميّ.
فضلاً عن رسائل الدّم العربيّة في السّر التي تتبنَّى إفشال مشروع الربيع العربي ووأده في آخر بقاعه إدلب السورية، مقدمة في طرودها البريدية تمويل الحملات العسكرية التي تشرع فيها روسيا، لتبعد عن دولها شبحًا لطالما بقي الهاجس الأول والأخير الذي يهدد بقاءها في السّلطة.
غياب الدّور الدولي فسح المجال لغطرسة آلة الحرب الروسية، لتنسف كل اتفاق تم تمريره مع باقي الأطراف، اتفاقات بات يعتبرها سكان الشمال بمنزلة المُهل المتوالية الكفيلة بقتل وتشريد المزيد من المواطنين والسير قدمًا بالسيناريو الروسي الذي لا يجد عن الحرب بديلاً، وسط تردد وعجز مطبق تبرره أنقرة أن هنالك فخًا يُراد لها الوقوع فيه لا ترغب أن تطأ عليه.
فهل تستفيق أنقرة وقد اكتظت حدودها الجنوبيّة بملايين النازحين محمّلين بقهر الضامن الذين يعتبرونه لم يلتزم بما دخل لأجله ونشر نقاطه؟ أم أن عجزًا وشللاً بات يسيطر على دوائر القرار بعد فشل تلقي الدعم الدولي المطلوب؟!
ينتظر سكان المحرر أجوبة ميدانية من الضامن لهم عساها تعيدهم إلى بلادهم وتنهي حقبة الغطرسة الروسية الإيرانية في سورية بحل شامل ينتهي بما نادى به السوريون قبل تسع سنين: “الشعب يريد إسقاط النظام “.