غسان الجمعة |
قطعت الدورية الأخيرة المشتركة بين روسيا وتركيا على طريق M4 كلَّ المسافة المحددة لها، ودخلت المدرعات الروسية مناطق سيطرة النظام من جهة اللاذقية بعد انطلاقها من محيط سراقب، وبمواكبة ذلك بدأت وسائل إعلام موالية الترويج لمعركة إدلب القادمة، وهو ما أكده راصدون على خطوط الجبهات من استقدام النظام لتعزيزات إضافة وعدم استبعاد اشتعال المعارك في أي لحظة من قبل قادة ميدانيين.
النظام وعقب الانتهاء من مهزلة انتخابات مجلس الشعب يحاول الترويج لمذبحة جديدة وتهجير جديد في مناطق (سهل الغاب، وجسر الشغور، وكبانة) من جهة، ومن جهة أخرى قرى (جبل الزاوية) والقرى الواقعة على طرفي الطريق M4 ، كل ذلك يعني الوقوف على أبواب إدلب المدينة التي ستكون ساقطة عسكريًا لو نجح المرتزقة الروس والإيرانيين بالاستيلاء على مواقع جديدة من كلا المحوريين.
التقليل من تهديدات النظام وحلفائه بفتح معركة إدلب لن يجدي نفعًا فيما لو أقدم فعليًا على ذلك، مع أن معظم المراقبين استبعدوا قيام النظام بهكذا أمر في الوقت الحالي إلا أن المسألة على أرض الواقع هي أبسط بالنسبة إلى روسيا وإيران، بل إن ابتزاز تركيا بموضوع التحرك العسكري والضغط على حدودها بموجات النزوح يتناسب تمامًا مع المساعي التركية للحلحلة في الملف الليبي من خلال الحسم العسكري.
في حين إن النظام السوري لم يعد هناك ما يخسره بالنسبة إلى ملف السياسة الأمريكية والأوربية في سورية عقب فرض قانون (قيصر) الذي وعد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية أن تكون حزمته الثانية شديدة التأثير على النظام وشركائه، لذلك فقد بات التحرك في إدلب وتحويلها إلى مشكلة إنسانية فقط على شريط حدودي من أولويات النظام، ومن ثم الاستعداد والانطلاق بالمخططات الروسية في شرق الفرات التي ستسعد أنقرة عندها مهما كان شكلها، لذلك فإن روسيا تدفع بالنظام لطي ملف إدلب بأسرع مدة ليعقبها تفاهم جديد وفق معطيات جديدة تكون فيها أنقرة راضية على الأقل بمساعي التحول في شرق الفرات، هذا إذا لم تكن طرفًا فيه.
أما إيران فهي تبحث الآن عن أي رد من الممكن أن يحفظ لها ماء وجهها في المنطقة عقب وقوفها مكتوفة الأيدي أمام الهجمات (السيبرانية) في إيران، بالإضافة إلى عدم قدرتها على حماية خطها الجوي بين طهران دمشق بيروت، حيث اعترضت طائرات أمريكية مسار شركات (ماهان) الإيرانية فوق سورية في تطور لافت في سياسة التعامل الأمريكي مع إيران.
من جهة المعارضة فإنها عمليًا غير قادرة على المبادرة بالهجوم لثقل العامل الجوي الذي تتفوق به روسيا وعن تجارب سابقة في كثير من المعارك، بالإضافة إلى بطء البراغماتية التركية في التعامل العسكري مع أي تحرك من خلال ربطه بملفات المنطقة بشكل عام.
لذلك علينا أن نكون على استعداد لمواجهة كل الاحتمالات التي من شأنه أن تهدد المدنيين، حيث يهدف النظام لتحويلنا إلى كانتون إنساني فقط، فهناك بعض المناطق التي نستطيع الصمود فيها على الأرض وستعزز من موقفنا التفاوضي بالمحافظة عليها، فقمة الانتصار أحيانًا هو أن تحافظ على بقائك لا أن تتقدم أو تكسب فقط.