في الدقائق الأخيرة من اختبار الرياضيات لنهاية العام الدراسي في مدرسة دلهي الثانوية، طلب راغاف الذهاب إلى المرحاض. وفي الداخل، أرسل صوراً لورقة الاختبار التي صورها خلسةً إلى رقم هاتف أُرسلَ إليه قبل أيام. وبعد دقائق، ظهرت الإجابات على الشاشة.
والدته سونيتا التي دفعت 16 ألف روبية (246 دولاراً أميركياً) ليحصل ابنها على الهاتف، تصرّ أن «هذا ليس غشاً، بل هو بمثابة مخرج».
عاشت الهند موسم الاختبارات في مارس/آذار 2018، إذ أدى عشرات الملايين من التلاميذ الامتحانات أملاً في حجز أحد الأماكن المحدودة المتاحة في الجامعات الهندية، فأفضل جامعة منها تبلغ معدلات القبول لديها حوالي عُشر جامعات أكسفورد وكامبريدج، وفق ما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية.
«مافيا الغش» بالبلاد كانت تعمل بجد، وهي شبكة واسعة تستغل اليأس المسيطر على الطلاب والآباء للتقدم في بلدٍ ينضم فيه كل عام ما يُقدّر بـ17 مليون شخص للقوى العاملة، في حين لا توجد إلا 5.5 مليون وظيفة فقط.
في أحدث عملية غش بارزة جرت الأسبوع الماضي، تبيَّن أنَّ أوراق اختبارين من اختبارات المرحلة الثانوية قد سُرِّبَت على تطبيق واتساب قبل 90 دقيقة من بدء الامتحان. وأُمِرَ أكثر من 2.8 مليون طالب في مدينة دلهي والمناطق المحيطة بإعادة الاختبارات في وقتٍ لاحق من أبريل/نيسان 2018.
الطالبة كيراث كول (15 عاماً) قالت إنها ستضطر لإعادة اختبار الرياضيات هذا الشهر، «إنَّه عذابٌ نفسي، قضيتُ طوال اليوم أذاكر للمادة الأخيرة، حتى أنَّني ظللتُ طوال الليل مستيقظةً استعداداً للاختبار».
«نظام تعليم مُحطَّم»
الغش في الاختبارات في الهند مسألة منظمة ومدروسة؛ ففي ولاية بهار التي تعد واحدة من أفقر الولايات بالبلاد، طُرِدَ أكثر من ألف طالب بسبب الغش في شهر فبراير/شباط 2018.
وفي العام 2017، تبيَّن أنَّ الطالب الذي حصل على المركز الأول في البلاد في مادة الرسم كان رجلاً عجوزاً يبلغ من العمر 42 عاماً. في حين انتُزعت الشهادة من الطالبة التي حصلت على أعلى درجة في الرسم في عام 2016 بعدما أُثيرت الشكوك حولها، خاصةً عندما أخبرت محاوراً تلفزيونياً أنَّها كانت تعتقد أنَّ مادة العلوم السياسية هي عن دراسة الطهي.
وفي العام 2015، احتلت ولاية بهار عناوين وسائل الإعلام الرئيسية العالمية عندما نُشِرَت مقاطع فيديو تعرض آباء وأمهات يتسلقون مبنًى مكون من 5 طوابق لتمرير الإجابات لأطفالهم الذين يجرون الاختبارات بالداخل. لكن هذا العام، لضمان النزاهة، ركبت الدولة كاميرات مراقبة داخل قاعات الامتحانات، وجعلت كل طالب يترك حذائه وجوربه على الباب.
وتقول ياميني إيار الرئيسة التنفيذية لمركز أبحاث السياسات، «هذه علامةٍ كبيرة على أنَّ نظام التعليم مُحطَّم»، ملقيةً باللوم في انتشار الغش على مجموعةٍ من الضغوط الشديدة للحصول على شهادةٍ جامعية، وعلى النظام التعليمي الذي يركز على بناء مدارس جديدة دون الاكتراث لما يجري داخلها.
وتابعت، «تشير الدراسات إلى أنَّ ما يقرب من نصف الطلاب الذين يصلون إلى الصف الخامس لا يمكنهم سوى قراءة نص يناسب الصف الثاني».
وأضافت أنَّ الحوافز التي يحصل عليها المعلمون والمديرون غير مدروسة، إذ تقيس النجاح وتمنح الترقيات على أساس نسبة الطلاب في المدرسة أو المنطقة الذين يجتازون الامتحانات. وبهذا يُمنح المسؤولون الحوافز للمساعدة على الغش والتغاضي عنه.
كيف يتواصلون مع «مافيا الغش»؟
سونيتا التي طلبت تغيير اسمها لأسبابٍ قانونية، تواصلت مع «مافيا الغش» في الهند عن طريق مركز التدريب على الاختبارات الذي كان يذهب راغاف إليه قبل الامتحانات النهائية العام الماضي.
وتحكي سونيتا، «قال لي المعلم أن ابني ضعيف جداً في الدراسة. لم يكن ابني مهتماً بالدراسة، ولم أرغب في أن يُعيد السنة».
عرض عليها المعلم الخاص التواصل مع أحد بإمكانه إرسال إجابات اختباري الرياضيات والاقتصاد لراغاف، ولن يتعرف أحد من الطرفين على هوية الشخص على الجانب الآخر من الهاتف. ووافقت على ذلك مع 4 أو 5 عائلات أخرى.
وقالت: «إنَّه أمرٌ شائعٌ جداً ومربح، فجميعنا دفعنا حوالي 60 ألف روبية لهذا الرجل».
وقالت الكاتبة سنيغدا بونام التي ألفت كتاباً جديداً حول طموح ودهاء الشباب الهندي إنَّ صناعة الغش في الهند انتشرت إلى جانب أنواع أخرى من الغش المنظم، مثل الاحتيال الذي تمارسه مراكز الاتصالات والمدفوع بنفس العقلية.
يتحسن الحراك الاجتماعي في الهند وفقاً للاستطلاعات. إلا أنَّه ليس سريعاً بما فيه الكفاية ليجاري توقعات جيلٍ نشأ على الشبكات الاجتماعية، والثقافة الشعبية الغربية، ووعودٍ بأنَّه قد حان أخيراً وقت الهند. وقالت: «تدفع نفس القوى الشباب الهندي إلى الانغماس في اقتصاداتٍ مبنية على الاحتيال».
الخط الساخن للغش هو الحل
وختمت، «إنَّه نقص الخيارات القانونية في سوق العمل الرسمي، وعدم وضوح الحدود بين العمل الشريف وغير الشريف، وإمكانية تحديد فجوات السوق والخدمات المطلوبة، والحيلة لتحويلها إلى طرق للحصول على الكسب السهل».
بمساعدة الخط الساخن للغش، تمكن راغاف من تجاوز جميع اختباراته بنجاح. وهو الآن يحضر دروساً خاصة في التصوير الفوتوغرافي، ويهدف إلى العمل بالتصوير باستخدام كاميرته الخاصة. بينما تدرس كول بجدٍ لتستعد لإعادة اختبار الرياضيات مرة أخرى في 25 أبريل/نيسان 2018.
وتقول كول، «لكنَّني أخشى أن يكون أداء الغشاشين في الاختبار أفضل مني. أنا أدرس باجتهاد، ولكنَّ الناس لا يرون إلا النتيجة فقط، ولا يرون أنَّهم ينجحون بالغش».
المصدر: عربي بوست