بقلم: زيوان البلدفي أواخر ثلاثينات القرن الماضي عانت فرنسا أزمة اقتصادية خانقة تسببت بتدهور شديد لها بقيمة الفرنك الفرنسي، ممَّا دعاها للبحث عن مصدر لإيقاف هذا التدهور وإسناد الفرنك، وقد وقع اختيارها على الليرة السورية كي تقوم بتلك المهمة لِمَا كان لها من قوة آنذاك، من خلال ربطها بالفرنك الفرنسي عبر “مصرف سوريا ولبنان” المزمع إنشاؤه لتلك الغاية. وقد كلفت رئيس غرفة التجارة في بيروت (ميخائيل منسّا) بإدارة مفاوضات مع رئيس غرفة تجارة حلب (محمد سعيد الزعيم) للحصول على الموافقة للبدء بالمشروع. لكن منسّا لم يستطع إقناع الزعيم بالأمر، لإدراك هذا الأخير أن تلك الخطوة لن تعود على الليرة السورية إلا بالخسارة مقابل انتعاش للفرنك الفرنسي فلم يوافق، وهكذا باختصار فشل المشروع.عاد إلى المسامع مجدداً فكرة استبدال الليرة السورية بنقد آخر (وحالياً تُقترح الليرة التركية)، وذلك كخطوة أولى للتخلي عنها فيما بعد. لماذا ظهرت هذه الفكرة؟أتصور بأنَّ الرد على هذا السؤال سيكون: “لحرمان النظام الحاكم من المنحة التي قدمتها المعارضة له من خلال عملها في السنوات الماضية – دون أن تدري – وبحُسن ظنٍّ منَّا”، حين بدت وكأنَّها تمدُّه بالقطع الأجنبي دونما حاجة منه لإنتاج سلعة حقيقية، فتحولت “المناطق المحررة” بذلك سوقاً كبيرة للأوراق المالية في سورية جنى فائدتها الأكبر النظام، الذي تمادى حين قام بطبع كميات كبيرة من الأوراق النقدية السورية لامتصاص المزيد ممَّا يدخل تلك الأسواق المالية من القطع الأجنبي للحاجة الماسة له، وقد نجح إلى حد كبير بذلك.لماذا نجح النظام بذلك؟ لأنَّنا حينما نقوم بفعل ما يأتي التفكير لاحقاً لنتائج الفعل والتي غالباً ما تتجلى بسلبيات أكثر تجاوزت الإيجابيات المحققة. لذلك علينا إشباع موضوع استبدال الليرة السورية دراسة وبحثاً قبل التنفيذ، وأعتقد أنَّه من الخطأ التخلي عن الليرة السورية لما ستسببه تلك الخطوة من آثار سلبية على الاقتصاد الاجتماعي للفئات الأكثر فقراً في المجتمع السوري والمتوضعة بشكل أساسي حالياً في المناطق المحررة، ومشاكل أخرى لا مجال لذكرها الآن، بل إَّنه من المصلحة الاقتصادية على المدى البعيد حين نحاول استبعادها من التداول أن تبقى ضمن سلة العملات العامة. فالاقتصاد لا يحتسب بمنطق سياسي، إذ نرى أشدَّ الدول عداوة للولايات المتحدة الأمريكية تتهافت على امتلاك الدولار، وغزة مازالت تعتمد الشيكل في معاملاتها الاقتصادية رغم حربها المستمرة مع المحتل الإسرائيلي.وعلينا قبل تنفيذ فكرة الاستبدال الإجابة على ما يلي:- هل الليرة السورية إحدى منجزات الحركة التصحيحة؟ أم هي نتاج كدَّ السوريين؟- ما الفوائد المرجوة والخسارات المحتملة من تلك الخطوة؟- هل تلك الخطوة أتت كنصحية من هيئة اقتصادية، وسيتم تنفيذها تحت إشرافها واحتواء جميع ما سينتج عنها من انعكاسات سلبية، بحيث تكون هذه التجربة تحت السيطرة؟ أم أنَّ الأمر برمته أتى انفعالاً عفوياً وارتجالاً؟كما علينا أن نراعي ما يلي:1-إعداد دراسة موسعة تغطي الموضوع من جوانبه كافة.2-الاختيار الدقيق للبديل النقدي المفترض، والوقوف على علة أفضليته على غيره.4-النظر إلى الليرة السورية بعيداً عن الموقع السياسي لإنتاجها، والتعامل معها كإحدى البدائل النقدية العامة.5-العمل على إصدار “وسيط نقدي” يكون جسراً بين الليرة السورية وبديلها المفترض لقطع الطريق على النظام كي لا يعيد الكرة بامتصاص النقد البديل مرة أخرى.وأعني بالوسيط النقدي هذا ما يسمى “الكوبون” أي (القسيمة ذات القيمة المالية المحددة) الذي نستطيع تمكينه من المشاركة في عملية التداول جنباً إلى جنب مع الليرة السورية بسرعة وقوة، خاصة حين يُمنح حسماً إضافياً لمالكه خلال تبادل السلع اليومية ضمن المناطق المحررة.أن نصلح فكرة أهون علينا من أن نقوم بإصلاح أخطاء لعمل لم نفكر به جيداً. راجياً أن تكون مقالتي هذه محرضاً لتوليد أفكار أفضل تكون حلاً لمشكلات تواجه مجتمعنا وما أكثرها. مستلهماً بذلك موقف محمد سعيد الزعيم غفر الله له الذي كانت بوصلته الفائدة التي سيجنيها من الخطوة التي سيقوم بها على الليرة السورية، فإنْ كانت تلك الخطوة مفيدة فنعمّ بها، وإلا فلا. وأن يكون موقف الزعيم لمن يعمل على بلورة هذه فكرة الاستبدال ظهيره ومثاله.