علي سندة |
يطل علينا شهر ربيع الأول هذا العام، بحدثين مهمين بالنسبة إلينا نحن المسلمين، الأول أنه شهر ميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والآخر حدث عارض تجلى بحملة التطاول على ذاته الشريفة من قِبل مُدعي الحريات، وكلا الحدثين يرتبطان بنا من حيث النتيجة والمهمة الموكلة إلينا، فما المطلوب منا؟
بادئ ذي بدء عذرًا رسول الله في شهر مولدك وفي كل الأزمنة، عذرًا معلم البشرية ومخرجها من الظلمات إلى النور، عذرًا لأنك قدوتنا والمقتدون نيام.
إن الحملة المسعورة التي تستهزئ بجنابه صلى الله عليه وسلم، يقودها حامل لواء الكراهية نيابيةً عن اليمين المتطرف المتنامي في كل أوربا خاصةً، وعن كلِّ كاره للإسلام والمسلمين عامةً، يقودها رئيس دولة فرنسا (ماكرون) رافعًا شمَّاعة (حرية التعبير)، وفي هذا الحدث العارض لن أخوض في تفسير حدود الحرية العامة والخاصة، أو معنى حرية التعبير عندما تصدر من جهة رسمية أو غير رسمية، لكن حسبنا القول: إن مصطلح (حرية التعبير) الذي اتخذه (ماكرون) سببًا لتبرير الرسوم المسيئة للنبي يساوي مصطلح (الإرهاب) المعاصر بالأفعال وعدم ضبط حدود تعريف المصطلحين، فالمصطلحان وجهان لعملة واحدة غرضهما ضرب الإسلام والمسلمين، وما صناعة داعش وأخواتها إلا أدوات التنفيذ، والمطلوب منَّا هنا عدم الانجرار خلف العاطفة وتأييد ما يصدر من ردات فعل قذرة لا تمت إلى الإسلام بصلة، تصنعها المخابرات باسم نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، كحادثة الطعن في (نيس) الفرنسية مؤخرًا، لأننا بذلك نكون مطبقين حرفيًا لما يرومه الأعداء ومهيئين لأسباب التحامل على الإسلام جملة في أوربا بداعي مكافحة التطرف، إنما علينا الزود عنه صلى الله عليه وسلم بما لا يسيء لمعتقدات الآخرين وإلى هدي النبي عليه السلام، كحملات المقاطعة للمنتجات الفرنسية، والتعريف بالإسلام وزيادة التوعية بين المسلمين، وحسبنا ما قاله الله سبحانه وتعالى: “إنا كفيناك المستهزئين” الحجر الآية: 15
أما فيما يخص الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فلن أدخل في قضية جواز الاحتفال وعدمه، فتلك قضية شغلت من قبلنا ومن في عصرنا، وستشغل من يلينا، وستتجدد في شهر ربيع الأول من كل سنة هجرية، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا قدَّم المُحتفل وغير المُحتفل بمولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما الفرق بين المُحتفل الذي قدَّم الإنشاد ووزع الحلوى وزيَّن الشارع وبيته ولم يتعلم سُنةً جديدة كان يفعلها الرسول، وبين غير المحتفل الذي راح ينقل أدلة عدم الجواز والبدعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولا يعرف شيئًا من هديه صلى الله عليه وسلم سوى أنه تبنى رأي من يقول لا يجوز الاحتفال؟
ببساطة لا فرق بين الاثنين، لأن منطلق الاحتفال وعدمه نابع من حبِّ الطرفين للنبي صلى الله عليه وسلم والغيرة على دينه، ولا يكون الحب إلا بالاتباع، وحبّ النبي باتباع سنته الشريفة وكتاب الله عز وجل.
لنتعهد في ذكرى كل مولده بتطبيق عشر سنن على الأقل كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ونواظب عليها طيلة السنة، ثم نتبع غيرها العام القادم بعد أن تصبح جزءًا منًّا، وهذا على أضعف الاتباع، وما أكثر السنن وما أيسرها، إذ إنها تدخل في كل تفاصيل حياتنا من آداب الطعام والشراب والخروج من البيت ودخوله والشارع والسوق واللقاءات، والجلوس، والنوم، والسنن في الصلوات الخمس.. ببساطة ابحث عن الخير تجده، لكن شريطة الاجتهاد وطلبه كأنه أمر مهم دونه سترسب وتُحاسب، أما كنت تعدُّه أمرًا ثانويًا وتعتقد أنه متوفر بأي وقت فستبقى ذكرى المولد طقسًا وذكرى عابرة لا تفيدك إن كنت محتفلًا أو غير مُحتفل.