عبد الملك قرة محمد |
يبدو أن التوافق الروسي التركي قد قطع أشواطاً طويلة في مسيرة الحل السوري القائم على البراغماتية ورعاية المصالح المشتركة بين البلدين.
روسيا وتركيا هما اليوم العنصران الفاعلان على الأرض السورية مع اعتبار إيران عنصر ثانوي سياسياً وأساسي عسكرياً.
باتتِ المصالح التركية اليوم واضحة تماماً فتركيا تسعى بكل طاقتها للقضاء على الخطر الكردي المتمثل بالميليشيات الذين شكلوا خطراً على مصالحها على مر التاريخ وازداد هذا الخطر وأخذ بعداً استراتيجياً بعد التقارب الكردي الأمريكي.
لكن بالمقابل ما الذي ستقدمه تركيا لروسيا التي خرجت من عفرين وأغلقت أفواه جميع المعارضين لعملية غصن الزيتون وأولهم أبواق النظام التي عادت لتعزف سيمفونية الوطنية البالية؟!
روسيا _وإن كانت أضعف من أميركا تقنياً وربما عسكرياً_ استطاعت أن تكون العنصر الأقوى إقليمياً وعلى الأقل بالنسبة للحالة السورية شئنا ذلك أم أبينا فلا يتصور أحدنا تطبيق قرارٍ يخص الملف السوري دون أخذ الضوء الأخضر الروسي.
روسيا تحتاج لتركيا لتضمن لها سكوت الجانب السوري المعارض عن أي قرارات قادمة بشأن معضلة رحيل الأسد التي تختفي يوماً بعد يوم مع كل مؤتمر يهدف لإخضاع الثورة ودعم إمبراطورية الأسد المزعومة.
روسيا ستعيد تدوير الأسد وتقديمه للشعب السوري معارضةً وموالاة محاولةً إقناع الجميع بأنه الحل الذي سيحفظ ما تبقى من سورية، لكن كيف ستعيد روسيا تقديم الأسد بلا مقبلات للشعب السوري المكلوم وللمجتمع الدولي بشكل عام؟؟
بداية لا بد من رسم الخطة الاستراتيجية الجغرافية التي تقوم على تخليص الأسد من أي تهديدات داخلية لذلك فبقاء الأسد في السلطة سيتطلب تحويل كل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة إلى حلب ثانية، فالغوطة والتي تشكل خطراً كبيراً لقربها من العاصمة هي هدف النظام وروسيا والتي ستحاول إفراغها على غرار ما حدث في حلب، ومن جهة أخرى فإن المجتمع الدولي سئم المناشدات والبيانات حتى الأمم المتحدة نفسها أصدرت بياناً فارغاً يروي صامتاً قصص التخاذل والعجز أمام القوة والمرونة السياسية الروسية .
تركيا بدورها لم تعد تستخدم ثقلها السياسي للضغط على روسيا بل أصبحت تحاول دعم القرارات الروسية في خطط خفض التصعيد ونشر نقاط المراقبة وما إلى ذلك من بنود تناوبَ الطرفان على صياغتها بما يتناسب مع مصلحتهما بالدرجة الأولى.
وإن أرادت تركيا الضغط على النظام لاستطاعت ذلك من خلال دعم الفصائل الثورية للقيام بعمل عسكري واسترداد ما احتله النظام مؤخراً لكن يبدو أن السيطرة الروسية على الغوطة بند متفق عليه بين الروس والأتراك كما الحال بالنسبة لمعركة غصن الزيتون التي لم تلق معارضة روسية على العكس فقد كانت روسيا أول المنسحبين من الجبهة الكردية حينما أفرغت عفرين وسهلت دخول الأتراك إليها.
إن روسيا ستسعى جاهدة لتلميع صورة الأسد في عيون الداخل والخارج، وربما العمل على الخط الوطني واستغلال المشاعر الوطنية للسوريين سيكون الطريق الأقرب لذلك من خلال تحويل الأسد إلى بطل قومي بإسقاطه طائرة إسرائيلية أو أي أعمال تجعل من الأسد بطلاً ببروباغندا السيادة رغبةً منها بحرف العيون الدولية عن المجازر الأسدية وتحويلها لخفض التصعيد بين إسرائيل والنظام المدعوم من إيران.
إعادة تقديم الأسد للمجتمع الدولي قد تستهلك جهداً دولياً ووقتاً طويلاً وإن استمرار الاقتتال في المناطق المحررة بين الفصائل الكبرى سيسهل المهمة الروسية في احتلال سورية وترسيخ دعائم آل الأسد في الحكم.