لسنا بصددِ الحديثِ عن الدّور العسكري للقاعدةِ الروسية حميميم، إذ شاركت القاعدة في معظم المعارك وكانتِ المطار الأول لانطلاق الطائرات الروسية التي لعبت الدور الأهم في المعارك الحاسمة.
لقد ساهم هذا الدور العسكري الحاسم في امتلاك حميميم متابعة إعلامية من السوريين موالاةً ومعارضة، نتيجة التصريحات والمواد الإعلاميّة التي تبثّها عبر حساباتها في مواقع التواصل.
والقاعدة الروسية حذرةٌ جداً في اختيار المواد والصيغة التي تخاطب بها متابعيها وهذا يوحي بأنّها مُدارة من خبراء إعلاميين يهتمون بأسلوب التقديم وصيغة الخطاب.
قليلاً ما تنشر القاعدة محتوى عسكرياً بل تحاول دائماً نشر الإحصائيّات والاستبانات التي تتعلق بتفاصيل المجتمع السوري، وتعدّ القناة الملجأ الأول لاستفسارات المؤيدين حول التطورات السياسية والعسكرية إذ تجيب القناة عن الاستفسارات التي ترِدها وتبثها على العام تشجيعاً للمتابعة.
استطاعتِ القاعدة الوصول إلى عددٍ كبير من الشعب السوري وحققت نسب متابعةٍ عالية ويزيد عدد متابعيها على فيس بوك عن 145 ألف متابع ويشترك في قناتها على تيلغرام ما يقارب 23 ألف مشترك.
الاستبانات والإحصائيات
الاستبانات التي تبثها القاعدة على فيس بوك مثيرة للجدل فغالباً ما تتعلق بالدور الروسي في سورية، ففي بداية عام 2018 نشرت القاعدة سؤالاً “ماذا تعني روسيا بالنسبة لك؟ صديق أم عدو، وكانت النتيجة 78 % قالوا إنها عدو.
التصريحات السياسية والإشاعات العسكرية
تدلي القناة بتصريحاتٍ سياسية وعسكرية على لسان مشرفيها تكون هذه التصريحات موافقة لما يبثه نظام الأسد، كما تساهم في بث الإشاعات التي تهدف إلى الضغط على السوريين نفسياً كنشرها مثلاً:
“قوات ما تسمى “بالجيش الحر” المدعومة من واشنطن تحضر للقيام بأعمال استفزازية عبر تنفيذ هجوم كيميائي من خلال أنابيب في دير الزور السورية.”
” ستكون مقاطعة إدلب السورية على موعد مع التطهير العسكري من الإرهاب في حال استمر تواجد المجموعات المتطرفة المتمثلة بتنظيم جبهة النصرة الإرهابية.”
وتروّج أفكار إعلام الأسد مما يؤكد صلتها بمؤسساته بالإضافة إلى الإشادة بالدور الروسي في سورية.
يقول محمد مصطفى علوش أحد المؤسسين لجيش الإسلام في تغريدة “يستخدم النظام قناة على التيلغرام اسمها قاعدة حميميم ويدّعي أنّ من يكتب فيها هم ضباط روس، مهمتها الحرب النفسية ونشر الشائعات، تديرها شعبة المخابرات العسكرية، ويكتب فيها موظفو قناة سما (الدنيا سابقاً) وهي غنية عن التعريف”.
الإعلام المجتمعي
لا تغفل القاعدة الروسية الاهتمام بالوضع الاجتماعي إذ تبث تصريحاتٍ عن الحالة المعيشية والأزمة الاقتصادية وتهتم بنشر المواد التي تكون بعيدة عن الحرب وقريبة من تفاصيل الحياة اليومية كنشرها عن العفو العام وتأكيدها قبل إعلام النظام على عدم وجود العفو.
كما تنشر القاعدة استفسارات الجنود السوريين التي تصلها عبر مواقع التواصل وفي هذا انتهاك واضح ومذل لسيادة النظام المزعومة وفيه ما يؤكد أن جنود الأسد باتوا على دراية تامة أن لروسيا السيادة في سورية.
وتصر القاعدة على إبراز دورها الاجتماعي في التسوية السياسية فالقاعدة تعَد مقراً لمركز المصالحة، وقد جاء مؤخراً على لسان ضابط روسي: “179 شخصاً عادوا إلى منازلهم في محافظة حمص و114 شخصاً في الغوطة الشرقية خلال يوم واحد مضيفاً أن مركز المصالحة يقوم بمراقبة عملية نقل النازحين من منطقة تل رفعت لخفض التوتر إلى بلدة منبج في ريف حلب”
وتنشر القاعدة يومياً “تقريراً إنسانياً” تسرد فيه الاختراقات التي حصلت لاتفاق خفض التصعيد إضافة إلى ذكر الأعمال التي يقوم مركز المصالحة من تقديم مساعدات وتسويات.
تقديس الجنود الروس:
تحاول القاعدة تصوير أعمال الجنود الروس على أنها بطولات فردية نابعة من محبة الروس للشعب السوري.
“في إحدى المرات، اشتعلت النيران في شاحنة سورية على الممر، وعرقلت الطريق أمام سيارات مركز المصالحة، التي كانت تنقل المساعدات الإنسانية. على الأرجح، حدث خلل في المولد. وبالمناسبة، في ذلك الوقت كانت أول رحلة لي. لا أتذكر حتى كيف تمكنت من التفاعل مع الوضع: أمسكت بطفاية الحريق، وهرعت إلى السيارة المحترقة وأطفأت النار.”
وهي تحاول بنشرها هذه الأحداث أن تبرر التدخل الروسي والاستغلال المادي الذي يمارسه الجنود الروس على سكان المنطقة من تجار وفلاحين، ونقلاً عن وسائل إعلامية “استغل أحد التجار الروس، وجود قوات بلاده في سورية، فأصبح يبيع أحذية “زندن”، ويكتب إلى جانبها: “صنع في سورية”.
وقد ساهمت هذه الأعمال غير المشروعة في انتشار العلم الروسي والأكلات الروسية وأصبحت الروسية اللغة الاختيارية الثانية، بدءاً من الصف السابع.
تهميش الأسد والإشادة بالنمر
لا توجد في إعلام القاعدة الروسية تلك النزعة العصبية تجاه الأسد، وتصرّ القناة على استخدام مصطلح الحكومة السورية في نشر المراسيم التشريعية بينما تستخدم القنوات السورية عبارة أصدر الأسد مرسوماً تشريعياً، بالإضافة إلى نشرها الفيديو الذي ظهر فيه الضابط الروسي وهو يبعد الأسد ويمنعه من السير نحو بوتين، وبالمقابل فإن القاعدة تشيد بدور النمر في سورية وفي هذا تلميح للإشاعة التي أشيعت حول رغبة روسيا في إسقاط الأسد وتسليم زمام الأمور لأحد الضباط ونشرت القاعدة عن النمر:
” اكتساب قوات العميد السوري سهيل الحسن للقب “القوة الاقتحامية الضاربة” لم يحدث بسبب دعم القوات الروسية له، ولكن على العكس تماماً، فقد تم تقديم الدعم البري والجوي الروسي لهذه القوات التي تمتلك مقاتلين من الدرجة الأولى في الكفاءة القتالية وذلك بعد أن أثبتت جدارتها لنيل هذا اللقب”
ويبدو الهدف واضحاً إذ تحاول روسيا من خلال الإعلام دعم دورها الاستعماري في سورية، وضمان وجودها المستقبلي وإقناع السوريين بشرعيته، وإثبات نفسها كصمام الأمان بوجود الأسد أو بدونه خاصة أن رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي، “فلاديمير شامانوف”، أعلن أن القاعدتين العسكريتين الروسيتين في حميميم وطرطوس، ستستمران في العمل بعد انتهاء العملية العسكرية وستتطوران.