لا انتصار يلوح في الأفق والخلافات تقض مضاجعنا وتمزق شملنا، .. يتوحد المجاهدون فيتفرق السياسيون ويتشظى الثائرون والنشطاء، ويتوحد الثوار فتتفرق المؤسسات والهيئات وتختلف المجالس، ويتوحد الجميع فيبدأ المزاودون ببعث الفتن بين الصفوف وتبدأ الحذلقات والكلام الفارغ، من أنت؟؟ وأين كنت لما انحرق أول دولاب وسقطت أول حاوية وخرجت أول شتيمة في وجه الأمن، وجامع آمنة في الواجهة البعيدة ليزداد الحمق حمقاً ويزداد التفرق شرذمةً.
كلهم يبحث عن الصف الأول في ميدان النصر، ويرى أن الصف الأول لا يتسع إلا لمن حصل على العلامة الكاملة في الثورة على طريقته، وغير ذلك هو متسلق ومنافق ولا يمت للثورة بصلة، فهو الوصي على الثورة والموكل بحفظ صفوفها، وحماية طريقتها المثلى التي لا تخرج عن هرطقاته الفارغة .
بعث جديد يلوح بالأفق إذا لم نمتلك الوعي بتقبل بعضنا وترك المزاودة جانباً، وليعمل كلُ منا في ثغره منافحاً عن بلده، دون أن يدعي أن هذا الثغر هو البلد بأكمله، فالوطن لا تختصره التجارب والثورات، ولا يختصره الثائرون والمجاهدون حتى لو كانوا هم الصادقين، الوطن لجميع أبنائه، وهو أبعد ما يكون عن أولئك المتنطعين المزاودين إذا لم يفيقوا من سكرتهم ويكفوا عن غيهم، فسيخسرون الوطن إلى الأبد، لأنهم أرادوه لهم وحدهم، وهو يستحيل عن فئة دون غيرها، إنه للجميع على قدر المساواة، وللعاملين أجر السبق والجهد لا أجر الوصاية والتسلط ..
لا يعني عملك وجهدك وصمودك أنك تريد مقابلاً من الوطن وتريد من الآخرين أن يمنحوك الأوسمة ويضعوك في المقدمة، إذا كان كذلك فبئس من أنت ومن كنت، وإنما هو بذل في سبيل ما تؤمن به، فإن لم يكن كذلك فلا حاجة لأحد ببذلك ..
مرة أخرى .. الوطن لن يكون لك وحدك .. فإياك والمزاودة فقد أعيت من يداويها .. وبينها وبين الحمق مراتب قد استولت على أدناها .
المدير العام / أحمد وديع العبسي