علي سندة |
لا تبرحي مكانك وقاومي، يقولون لم يبقَ إلا القليل بحسب ما يسمعون ويقرؤون، وكل خبر عندهم حول العودة واللقاء، ولو كان ضربًا من المستحيل أو الخيال، يرونه قريبًا ممكنًا فالحكم عندهم الشوق لا المُعطيات والواقع.
هناك على بُعد كيلو مترات ينتظركِ من يعلمون أين موضعك الذي بنوك فيه، ويؤمنون أن الشهداء أحياء وأنت شهيدة لم تموتي في نظرهم، أرواحهم تهفو إليكِ كل يوم محملة بالسلام والحث على الصبر والتحمل، صحيح أنك صماء وبعضك مهشم، لكنهم أكسبوكِ الروح من نبضات قلوبهم العاشقة حين كانت مطارقهم تنحت صورتك التي بدأ منها التاريخ، نحن نؤمن أن الروح من أمر ربها، وربُّك من نحتك بروحه فأعطاك الحياة مادامت الأرض والتاريخ، وربُّك ِوربُّ ربِّك النحات من سيجمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقي.
حجارة حلب العتيقة صبرًا، عامان ونيف على الفراق كانا بالنسبة إلى كل مهجر الدهر كله، فمذ أزفت ساعة التهجير قالوا إننا عائدون، وقالوا الأمر اتفاق بين تركيا وروسيا، ليمضي عام ولم يدرِ أحد متى ذاك اللقاء، يتلوه عام آخر لكنه مختلف عن الأول إذ فجرت فيه صحيفة (يني شفق) التركية لواعج كل مهجر وقالت وقتها: إن حلب ستعود إلى أهلها، ليغدو المقال آيات يتلوها المهجرون صباح مساء معللين آمالهم بالعودة، فبدأوا يسوقون أدلتهم القلبية ويقولون (قرَّبت) ولا بأس من سرد بعض أدلتهم في هذا المقام: “إن النظام لم يبدأ بالإعمار لأنه يعلم أن حلب ليست له، وروسيا منعت رأس النظام من زيارتها عندما هجَّر أهلها، لأن زيارتها تعني عودة سورية الصناعية إلى سورية الأسد، وتناقلوا أيضًا أن شبيحة النظام يبيعون أملاكهم ويتجهزون للرحيل حين اللزوم، والخدمات منذ عامين لم تتحسن، والأنقاض على حالها لم تُرحل إلا ما يلزم لفتح شارع مغلق بسببها، وحلب هي ضمن اتفاق روسيا مع تركيا لإدارة الأخيرة كل من حلب وإدلب وحماة ضمن منطقة نفوذ سُنية، خاصة عندما أُفرغت كفريا والفوعة، بل قالوا أيضًا إن الموجودين بحلب حاليًا بدا التخوف يظهر عليهم خشية تسليم المدينة من قِبل روسيا لتركيا ضمن اتفاقات لا يد للنظام فيها، وإن إعادة الإعمار فرية كبيرة لتمرير الوقت لحين تنفيذ الاتفاق.
هكذا يتحدث المشتاقون، فكلما ظهر خبر على وسائل الإعلام تحركت أشواقهم لدرجة أنه عندما ظهر المقال الثاني لصحيفة (يني شفق التركية) منذ أسبوعين تقريبًا مُتضمنًا حديث العودة نفسه وفرضياتها، رأيت كبار السن خاصة يتناقلون الخبر بالدموع كأن العودة غدًا!
كل مهجر يحن ويشتاق إلى دياره، ولا لوم على أهالي حلب الذين يرون عودتهم قريبة لوجود تركيا التي أجَّرت مدينتهم للروس، على حدّ قولهم، ولمَّا ينتهِ العقد بعدُ! فمن يقرأ خبرًا منهم هنا وآخر هناك يصدقه عقله الباطني الذي شيفرته حلب والعودة إليها. أما لو نظرنا إلى المسألة بعين العقل والسياسية لوجدنا أن لا غرابة في عالم السياسية التي هي فن غير الممكن للحصول على الممكن، فربما تكون تحليلات العاطفة التي أتى بها المُهجرون أصدق من تحليلات العقل والواقع الذي لسان حاله يقول: إن المنتصر ظاهريًا هو النظام ولم يحدث أن تنازل عن شبر استولى عليه، فكيف يتنازل عن ثاني مدن سورية وهي بين يديه؟! يقولون هم، لكن قلوب المهجرين تقول، فهل يغدو قولها كما قالت حذامِ؟!