غسان الجمعة |
العدل والحرية والجمهورية على أساس العقيدة الإسلامية، هي ما نادت به الثورة الإيرانية عند اندلاعها. ولكي تستمر هذه المنظومة، ابتكر خامنئي بعد أن رسخ لعصبته أركان الحكم بدعة تصدير الثورة التي تقوم على نصرة المستضعفين ومحاربة الطغيان و إعادة الروح للأمة الإسلامية، حيث لا تزال إيران إلى يومنا هذا تنشد هذه المبادئ رغم انكشاف عورتها في كثير من محطات الشعوب المجاورة، بل إنها لم تحقق من أهدافها للإيرانيين أنفسهم سوى التنظير والشعارات، وقد انتفض الإيرانيون مرات عديدة في السنوات الأخيرة ضد نظام الملالي، غير أنه قابلهم بالقمع والمزيد من الظلم والقهر.
ولا يخفى على متابع الدور الذي قامت به إيران بمعاداة الثورات العربية، وكيف دعمت نظام الأسد ضد شعبه، بالإضافة إلى دورها الكبير في تخريب العراق وإفقاره وتحويله إلى دولة ميلشاوية تابعة لها، وركوبها لثورة اليمنيين وتنصيب الحوثيين أوصياء عليهم، وإمساكها بالقرار اللبناني عبر وكيلها حزب الله.
ورغم ذلك، فإن هذه الشعوب لا تزال مؤمنة بربيعها مع كل التشويه الذي واكب محطاته في الدول التي اكتست حلته وتنفست من عبقه، فتداعيات الحرب في سورية واليمن عززت قاعدة الاحتجاج السلمي في الحراك العراقي واللبناني المستمر للآن، خصوصاً أن لإيران في البلدين سطوة عسكرية كبيرة وهي باتت مكشوفة للجماهير العربية بميلشياتها المسلحة وكيفية اغتيالها لأي تغيير لا يصب بمصالحها، فكيف إذا كان ضدها عملياً في هذين البلدين؟!
للأسف قطفت إيران أولى ثمار استثمارها في النسيج الاجتماعي بنشر أيدولوجيتها الطائفية بخنق الحراك في لبنان ومحاصرته في العراق عبر لعبتها الطائفية بعيداً عن استخدام السلاح كما هو في اليمن وسورية. وهذا ما بدا بشكل واضح في لبنان، حيث إن التوظيف الطائفي أضعف من جذوة التظاهرات اللبنانية وحصرها في مناطق (ذات غالبية سنية) دون أخرى، مما سيحولها إلى حراك طائفي بالفعل السلبي الذي أداه نصرالله تجاه المتظاهرين عندما طلب من مواليه اعتزال التظاهر، وتبعه بإرسال قطعانه لفض الاعتصامات وخرق الاحتجاجات في الساحات.
اليوم أي حراك عربي في أي بلد لإيران فيه أدنى تأثير هو مُهدد بالفشل أو الامتطاء من قبل مشروع “تصدير الثورة” الذي هو بحقيقته وجه آخر للدعم الغربي للديكتاتوريات الوظيفية، حيث تتولى هذه الدول المحافظة على المشروعية الدولية لهذه الأنظمة واعتبارها الدولي مقابل المزيد من التنازلات لمصالحها كما هو في سورية والعراق و لبنان وغيرها، وتتولى إيران سرطنة غايتها وهنا تلتقي مصالح الطرفين على ذبح الساحات و طمس الحريات وشيطنة الثورات، وإن اختلفوا في اقتسام الثروات ومساحات النفوذ على كل الأصعدة.
التحدي الأبرز اليوم للحراك العربي هو بتر الأذرع الإيرانية عن التدخل بشؤون الدول العربية دون أن تتحول المطالب إلى صراع طائفي، وتطغى على متغيرات العمل السياسي السمة الطائفية التي ستحول منظومات الحكم في البلدان العربية إلى أدوات صراع إقليمي ودولي.