يعاني السوريون منذ سنوات من نتائج الحرب التي تعيشها البلاد من عدة نواحٍ، ولعل الناحية الاقتصادية أبرز أوجه تلك المعاناة، حيث انخفضت قيمة الليرة السورية عشرة أضعاف قياساً إلى الدولار الأمريكي بين عامي 2011 و 2018، ما أدى إلى تضخم بنسب كبيرة وموجة غلاء فاحش، ورغم محاولة حكومة النظام السوري تدارك شيء من ذلك إلا أنها وقعت -على ما يبدو- ضحية ابتزاز الأصدقاء، خصوصاً ما يتعلق بأزمتي الوقود وحليب الأطفال الأخيرتين، إذ ظهرت “أيادٍ إيرانية” لا يمكن إخفاء دورها في هاتين الأزمتين.
أزمة الغاز
منذ شهر تقريباً شهدت المدن السورية التي تسيطر عليها قوات النظام فقدان مادة الغاز الطبيعي، التي تستخدم في الطهي والتدفئة، وقال مسؤولون في حكومة النظام السوري إن سبب تلك الأزمة كان تأخر الواردات الإيرانية إلى سورية من مادة الغاز، وادعى هؤلاء أن سبب هذا التأخر كان العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق الدولي بشأن الملف النووي الإيراني.
ومن جانبه وزير النفط في حكومة النظام علي غانم قال إن “الحصار الاقتصادي المفروض على (النظام السوري) أدى إلى إيقاف جزء كبير من عمليات توريد الغاز، علماً أن الإنتاج المحلي من (حاجة) الغاز المنزلي يبلغ 30 بالمئة فقط، في حين يتم استيراد كامل الكمية المتبقية”، واستطرد بالقول إن وزارته اتخذت عدة إجراءات من أجل “تجاوز هذه المشكلة حيث تم رفع الإنتاج المحلي من الغاز المنزلي إلى 50 بالمئة، ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج خلال المرحلة المقبلة إلى 60-70 بالمئة”.
وربط غانم بين مسألة تأمين احتياجات السوق إلى الغاز الطبيعي وبين العمليات العسكرية لقوات النظام قائلاً في تصريحه لصحيفة “البعث” الموالية إن السيطرة على المنطقة الشمالية ستؤمن تغطية كافة احتياجات البلاد من الغاز، وأشار إلى “استمرار عمليات الحفر والاستكشاف حيث تم حتى الآن حفر ما يقارب 60 ألف متر طولي وتم إدخال 26 بئراً غازية إلى الخدمة”.
بينما أشارت مصادر محلية إلى إجراءات المسؤولين عن التوزيع المباشر في “أزمة الغاز” ونوهت صحيفة “الوطن” الموالية إلى قيام أحد متعهدي الغاز المنزلي في ضاحية قدسيا بريف دمشق باستلام ثلاثمائة أسطوانة لأهالي الضاحية دون أن يوزعها، ووفقاً لرئيس بلدية الضاحية آصف هواش فإن ذلك تم ما تبين بعد مطابقة الكميات المستلمة والكميات الموزعة على الأهالي.
أزمة حليب الأطفال
من جانب آخر تعيش المدن السورية على وقع أزمة ثانية هي أزمة حليب الأطفال الذي أصبح في عداد السلع النادرة ومرتفعة السعر إن وجدت، وقال نقيب الصيادلة الدكتور محمود حسن الحسن إن “فقدان بعض أصناف حليب الأطفال في السوق المحلية يعود إلى الحصار الأمريكي الظالم على الجمهورية الإيرانية الذي أثر سلباً على وجوده في السوق السورية منذ حوالي أسبوعين فقط” حسب زعمه.
وأكد الحسن أن “البدائل لهذا النوع من الحليب متوفرة وبنفس المواصفات” مناقضاً نفسه في التصريح نفسه! واستطرد نقيب الصيادلة بالقول إن “الباخرة التي تقل شحنة من الحليب المفقود في السوق السورية وصلت إلى موانئ دبي (قادمة من إيران)، وسيتم شحنها خلال أيام قليلة إلى الموانئ السورية ليتم توزيعها في السوق المحلية”.
في حين ما زالت عبارة “ليس لدينا حليب أطفال” الإجابة الأولى في الصيدليات لدى السؤال عن هذه المادة الأساسية للأطفال، وأشارت مصادر محلية إلى أن السوق لم تكن تعاني من هذه الأزمة قبل أسبوعين فقط، ما يثير أسئلة جدية حول توقيتها وتزامنها مع أزمة الغاز، وارتباطهما بجهة واحدة من المفترض أنها “الحليف الأول” للنظام السوري، والداعم الأول له طيلة سنوات الحرب الماضية!
هل لإعادة العلاقات العربية صلة بالموضوع؟
قد يكون السؤال عن احتمال وجود صلة بين إعادة بعض الدول العربية لعلاقاته مع النظام السوري وقطع السلع الإيرانية عن السوق السورية، سؤالاً بعيداً جداً ولكن تزامن الأحداث لا يبدو أنه “مصادفة”، وطالما أن “البدائل متوفرة” فعلاً فلماذا لم تتحرك حكومة النظام بالنسبة لأزمة حليب الأطفال؟ وإن كان لتجاوزات بعض المتعهدين دور في أزمة الغاز، فهل اتفق هؤلاء الموزعون للإضراب في جميع المدن السورية دون استثناء؟
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد أعرب عن ترحيب بلاده في إعادة العلاقات بين الدول العربية والنظام السوري، وكرر تصريحاته التي تدعو الدول العربية إلى إقامة “علاقات طيبة” مع بلاده أيضاً، وتتناقض هذه التصريحات مع الممارسات الإيرانية على الأرض، حيث تدعم إيران ميليشيا الحوثي في اليمن وميليشيا حزب الله في لبنان، فضلاً عن عشرات الميليشيات المسلحة في كل من سورية والعراق وبعض الخلايا في دول الخليج وبشكل خاص في الكويت والبحرين.
المصدر: الاتحاد برس