تجري ترتيبات المنطقة العازلة في إدلب بتناغم روسي وتركي وبموافقة إذعان من قبل النظام السوري خشية إغضاب الحليف الروسي الذي أعلن عبر وزير خارجيته عن الرضى من تحركات (الشركاء) الأتراك لتطبيق اتفاق سوتشي.
المصلحة الروسية في إتمام هذا الاتفاق لا تتوافق ورغبة النظام في الحسم العسكري بمساعدة القوات الروسية، وهو ما دأبت عليه وسائل الإعلام الموالية من خلال وصفه بأنه مؤقت وغير قابل للتطبيق، وأن وجود قوات الفصل التركية غير شرعي، في حين أعلن الرئيس التركي عن بقاء قواته في سورية لحين إجراء انتخابات.
روسيا تبارك الخطوات التركية في إدلب ليس من أجل إبعادها عن الناتو وتعزيز تعاونها الاقتصادي معها فقط، بل هناك تداعيات داخلية (سورية – روسية) بدأت روسيا تأخذها بعين الاعتبار وعلى رأسها ضمان استمرار حاجة الرئيس السوري للقوات الروسية من خلال تجميد قوات المعارضة فقط وليس إنهائها، وذلك بتفاهمات إقليمية ودولية تمنع عصيانه للأوامر الروسية مستقبلاً لا سيَّما مع اقتراب استحقاقات الحل السياسي التي تمسُّ جوهر منظومة حكم الأسد.
ولعل العبء الاقتصادي لاستباحة منطقة تعج بالمعارضين للنظام السوري ولا فائدة منها سياسيًّا ولا اقتصاديًّا ستزيد من صعوبة مهمة الروس في سورية، فنموذج السيطرة على الجنوب السوري ليس ببعيد، وما تزال تداعياته الأمنية والاقتصادية تشكل هاجسًا للروس والنظام على حدٍّ سواء، وهو ما استدعى الروس لعقد اجتماعات متكررة في درعا والسويداء.
ومن جهة أخرى يعتبر اتفاق سوتشي والمنطقة العازلة تسوية سياسية مربحة من وجهة النظر الروسية لأنها بخلاف ذلك (أي لجوئها إلى الحل العسكري على شاكلة ما تم في باقي المناطق) ستقدم خدمة مجانية للتغلغل الإيراني المتنامي في الجغرافية السورية بجهود وكلفة سياسية وعسكرية روسية، وهو ما حصلت عليه إيران الآن في ضفة الفرات الغربية باستثماراتها الطائفية والسياسية في مدن وعشائر تلك المنطقة.
وبالانتقال إلى الداخل الروسي، فقد نشر موقع ليفادا الروسي نتائج آخر استطلاع حول ثقة الروس بالرئيس بوتين التي انخفضت من 59% عند انتخابه في أواخر العام الماضي إلى 39% في نهاية شهر أيلول 2018 وفي حال قبول بوتين برغبة الأسد بالسيطرة على إدلب عسكريًّا فإن ذريعة التهديدات الإرهابية ستختفي من خطابات بوتين، وسيكون أمام تساؤل المواطنين الروس ماذا نفعل في سورية الآن؟
تبقى المصلحة الروسية التركية صمام الأمان لاتفاق سوتشي في هذه المرحلة إلى أن تتم تسوية الملف السوري بدائرة دولية أوسع ومرضية لكل الأطراف الخارجية على حساب السوريين، وعندها قد تعترف الدبابات بشيء اسمه الانتخابات.