بقلم : رئيس التحريرمن الطبيعي أن يكون لكلِّ واحدٍ منّا مفهوم مختلف عن الحرب وخططها واستراتيجياتها، ومساراتها وتكتيكاتها بحسب اختلاف الثقافة ووضوح الرؤيا، ولكنَّ الغريب أنَّ بعض العاملين في سلك الحرب والقتال ما زالوا يرون الحرب خناجر مسلولة وشوارب مفتولة وفزعة للشباب ( الطيبة ) من جيران الحارة وأولاد العم، وصرخةً يطلقها مُسَعِّرِ النَّار ( العقيد ) أبو النار، يجمع بها شباب الحارة ورجالها الذين هبّوا ثائرين يحملون العصيّ و( الشبريّات ) لا يعرفون ما القصّة وما الخبر، ولا يسألون عن الخطّة المرسومة وأسباب ( العلقة ) القادمة وتفاصيلها.بهذه العقليّة القديمة الصدئة يريد بعضنا أن ينصر الأمّة ويحرّرها من نَيْرها، بلا مبادئ فكرية أو عقيدة، أو تخطيطات حربيّة مدروسة، فأدى ذلك إلى نتائج سلبيّة ومجموعة من ( البلاوي ) الكثيرة التي ترهق ثورة الشّام.إنَّ المراقب للأحداث الأخيرة على الأرض يلاحظ غياب التخطيط الواحد على الرقعة السوريّة، وعدم دراسة تحرّكات العدوّ التي تسير ببطء النمل حينًا، وتقفز قفز الضفادع حينًا آخر، ويلاحظ أنَّ أغلب المعارك التي خاضها الثّوار قد اختارها النّظام، فقاتل في وضع يلائمه لا يلائمنا، وجمع جنده وركّز ناره في نقطة أرادها هو، فاعتمد عنصر المفاجأة في التحرّك السريع كما حدث سابقًا وحدث مؤخّرًا في قريتي ( رتيان ) و( باشكوي ) في ريف حلب الشماليّ. ولولا فضل الله ثم نفير المجاهدين لانتقل النّظام إلى خطوة استمرار التمدّد وفعل ما خطّط له.وبسبب غياب الخطّة الاستراتيجيّة الواضحة فقد ساد مفهوم الحرب الدفاعيّة الثابتة بين صفوف المقاتلين، فكثرت مصطلحات ( الصدّ والردّ وإيقاف الزحف .. )، وغاب مفهوم الحرب الهجوميّة المتحركة في أكثر الأحيان، والمهاجم هو المبادر الذي يختار الوقت والمكان المناسبين، ولا شكّ في أنَّ العدوّ سيستمر في التقدّم إنْ وجدَ عينًا نائمةً وطريقًا معبدة وضمائر تعرض نفسها للبيع، وسيحقق ما يريده إن لم يكن عند الطرف المقابل جاهزيَة تامَة ودراسة تفصيليَة للمكان وتوزيع الجنود وتجهيزًا هندسيًا ودعمًا شعبيًّا قويًّا.ولا يغرَّ بعض الأغرار بأنَّ القوات الثوريّة قد صدَّت الهجوم وقتلت من جيش النظام وأسرت، فإنَّ الدفاع القويّ لا يتوقف على أعداد قتلى العدو وخسائره فحسب، فإنَّ لدى النظام من العتاد ما يكفيه، ولا يهمّه العنصر البشريّ السوريّ، المنتمي إلى أهل السنّة بالاسم خاصّة، إنّما يتوقف الدّفاع القويّ على إيقاف المدّ واسترجاع النّقاط والأماكن المستَلَبَة ثم الانتقال إلى مرحلة الدّفاع المتحرّك الذي يتولى مهمة القيام بالهجوم المضاد لتُشفى صدور المؤمنين. فلا مكانَ للفرح والتطبيل والتزمير ومواكب الانتصارات التي يسيرها سيادة ( العقيد ) أبو النار في الشوارع إن لم يعد ما سُلِبَ منَّا وزيادة.