يقترح أبو عنتر على محابيس قاووشه في مسلسل (عودة غوار) مشروعًا مربحًا لتشغيل أموالهم، وعندما يسألونه عن المشروع، يسرع إليهم بتقديم ضمانات الربح وهي 20% على كل مبلغ في المشروع، ويتم قبض الربح مباشرة، ليتناسى الجميع السؤال عن المشروع وتفاصيله ويكتفون بالربح الذي قبضوه فورًا.
ومع أنهم شاهدوا أبو عنتر ينفق الربح من رأس مالهم إلا أن إغراء الربح جعلهم يقفزون خطوة للأمام ويثقون بأنه سيستطيع المتابعة وإلا لما جازف في رأس المال.
في الحقيقة هذه هي ميزة السلطة أو الدولة، باعتبارها تمتلك القوة تستطيع إقناع الناس حتى لو كان ميزانها خاسرًا، وحتى لو ظهرت السرقة في بعض الأحيان عيانًا، إن الشعور بالخوف من غياب السلطة أو تدهورها تجعل جموع المحابيس أو الشعب في قاووش أبو عنتر يقبلون بسرقة الدولة أومن يمثلها، لأنها تحميهم من فوضى السرقات، وتوهمهم حقيقةً أنّ هذا هو الربح، والخسارة الجماعية تكون أخف وطأة لأنها تلغي احتمالات الحمق، فالمجموع الشعبي في أحد أشكاله هو من وضع ثقته بالدولة وليست حالة فردية يلوم عليها الفرد نفسه.
إن الدولة تعمل على استعادة جماهيرها بين وقت وآخر بهذه الطريقة، عندما تعرض عليهم أرباحًا ومكرمات هي في الأصل حقوق خالصة لهم، فهي تنفق عليهم من مالهم، وتزيد رواتب موظفيها بالتناسب مع زيادة السرقات، وليس قلتها، والشعب يعلم هذا، لكنه يرضى بهذه الحالة مقابل الخوف من بطش أبو عنتر في القاووش، وبطش أجهزة الأمن في الوطن، وعندما يفقد المواطن هذه الأرباح، أو حتى رأس المال، يكون راضيًا لأنها في الأساس حقوق زائدة تمّ التكرم عليه بها كما أخبروه، وما زال يمتلك فرصة للتعويض يحكمها الاستقرار الذي تؤسسه إدارة الخوف والبطش.
المدير العام | أحمد وديع العبسي