رؤى الزين
“سأبقى أنتظره حتى يعود، وإن لم يعد فسأبقى زوجته في الدنيا لأكون له سيدة الحور في الجنة، سأحمي ولدي من الفقر والجهل، سأكون له الأم والأب وأعوضه عن حرمان والده ” كلمات تقولها لمى وهي تعبر عن قوة شخصيتها بعد تغيب زوجها في ظلمة السجون.
حسب إحصائية حقوق الإنسانة السورية فإنَّ عدد النساء اللواتي فقدنَ أزواجهنَّ وصل إلى أكثر من17 ألف امرأة، كما أنَّ هناك أكثر من 15 ألف امرأة يعتبر أزواجهنَّ في عداد المفقودين قسرياً، وقرابة 40 ألف طفل فقدوا آباءهم.
القوة والعزيمة لم تنفع لمى (27 عاماً) من ريف إدلب (جبل الزاوية) أن تكون ضحية الحرب السورية المشتعلة
بنبرة قوية تخفي خلفها آلام كبيرة، بقلب صامد كالجبل تحمل الوفاء لزوجها ومرارة الحياة على كاهلها مع طفلها ومتاعب دراستها، حيث كشفت لنا ذلك في حديثها قائلةً: “أعتقل زوجي منذ خمس سنوات وطفلي عمره عشرين يوماً، بعد تحرير إدلب عدت لأكمل دراستي، وفي الوقت نفسه ادرِّس في مدرسة ابتدائية، فكل صباح أخرج من بيتي لأترك طفلي يبكي بأحضان جدته، ولي بعد المدرسة دوام ثانٍ ادرِّس فيه دورسا خاصة، لأنَّ راتب المدرسة لا يكفي حاجات طفلي، فراتبي 75 دولار وأنا بحاجة في كل شهر إلى أكثر من 100دولار، لا أنكر بأنَّني بحاجة إلى وقت أكبر حتى أتفرغ لتربية طفلي ودراستي، وفي الوقت نفسه أحتاج إلى التدريس لأتمكن من تدبير مصروفي في هذا الغلاء المتزايد، فباتت غايتي في الدنيا أن أرى طفلي يكبر أمام عيني، وأراه رجلا أفتخر به، ويكون عونا لي في كبري”
“لأجل طفلتي التي لم تعرف والدها تخليت عن مشاعري وقررت أن أكون زوجة عمها” تبدأ سلمى حكايتها (17عاما) من مدينة أريحا بعد استشهاد زوجها بهذه الكلمات، ثم تكمل فتقول: “استشهد زوجي وطفلتي مازالت جنين أيام، بعد ولادتي وبسبب العادات في بلدتي جبرت على الزواج من أخ زوجي، آه.. فبعد زواجي بدأت المشاكل تظهر وخاصة أنَّني الزوجة الثانية، وكما تقول ضرتي بأنَّني دمرت أسرتها ويجب عليَّ أن أدفع ثمن دماري لبيتها وأن أترك طفلتي تبكي مشردة بين أولادها”
تضيف: “أخرج للعمل خارج البيت للأمن مصروف لها ولزوجها، فلا أشعر بنفسي سوى خادمة أدفع ثمن خسارة مشاعري، ولأخسر طفلتي التي مع حرمانها لوالدها حرمت حنان أمها لتكون زوجة عمها صاحبة القول والقرار، غير أنَّ قلبي ما زال متعلقا بروح زوجي المدفونة تحت التراب، أشعر كأنَّه معي بكل لحظة يواسي ظلمي بعد رحيله، أصبر بعذابي هذا حتى تكبر طفلتي، فلم يعد لي ذكرى من زوجي سواها”
وهكذا تنقلب حياة المرأة رأسا على عقب بعد فقدان زوجها ليترك خلفه الاضطراب والأسى وقلة الحيلة في تدبير مصروف أسرتها، كما أنَّها تحتاج إلى فترة محددة لكي تستعيد قوتها لتنهض من جديد لحياة تقودها بمفردها لتحمل لأطفالها قلب الأب القوي الصارم المعيل لأسرته، وقلب الأم الحنون في آنٍ واحد.