عماد إسماعيل
أنهكت روسيا نفسها إعلامياً ودبلوماسياً عبر التجييش الإعلامي لتقديم مؤتمر الأستانة على أنَّه مؤتمر الخلاص في سوريا، وقام السياسيون الروس بزيارات (مكوكية) إلى أنقرة وطهران الطرفان الراعيان للمؤتمر، فقد ذهبت موسكو في بناء توقعاتها المرجوة من نتائج المؤتمر إلى البعيد، لدرجة أنَّها استصدرت قراراً من مجلس الأمن الدولي بدعم هذا المؤتمر, لتصطدم بأول عائق في طريقها، والمتمثل في وضع الولايات المتحدة الأمريكية بنداً في هذا القرار الأممي تقول فيه: إنَّ جنيف هو الأساس، والأستانة خطوة نحو هذا الأساس، وتتالت المعوقات، فالطريق إلى الأستانة كان سالكاً بصعوبة بسبب تراكم التحفظات الإيرانية على قائمة المدعوين بدءًا من السعودية وانتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية، لكن التحفظات على قائمة المدعوين لم تكن العائق الوحيد الذي أزعج روسيا، بل تمادي إيران ونظام الأسد في خرق الهدنة المعلنة من قبل روسيا و تركيا، خاصةً أنَّ روسيا هي من كانت الضامن لطرف النظام وإيران، وتركيا كانت الضامن لطرف المعارضة السورية، وفي خضمِّ كلِّ تلك المعوقات حاولت موسكو الاستعجال في عقد هذا المؤتمر بأي شكلٍ من الأشكال، وبالفعل انعقد المؤتمر، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر بأنَّ المؤتمر كان حفل تعارف لا أكثر ولا أقل، فوفد النظام بقيادة بشار الجعفري جاء ليتعرَّف على الفصائل المسلحة التي تقبل التفاوض، ومن ثمَّ حسب رأيه تقبل الانخراط في مصالحات مع حكومة الأسد، وقد كان ذلك واضحاً من خلال تصريحاته وتصريحات سيده “الأسد”.
وكما سبق وذكرنا، فإنَّ مستوى التمثيل والمشاركة في الأستانة جعل من هذا المؤتمر يعود إلى حجمه الطبيعي بعد التضخم الإعلامي الروسي والإيراني، فقد صفعت الإدارة الأمريكية الروس عندما أوكلت سفيرها في كازاخستان بتمثيلها في الأستانة، لعلّ هذا السلوك الأمريكي لم يكن عبثياً أبداً، فحضور السفير الأمريكي يعني أنَّ أمريكا حاضرة، لكن مستوى التمثيل المقتصر على السفير فقط، يبعث برسائل واضحة على عدم رضى الأمريكان عن كلِّ ذاك التحضير وحتى طريقة وأهداف انعقاد المؤتمر، لكن لماذا لم تقلها أمريكا صراحةً وتعلن مقاطعتها؟!
يبدو أنَّ أمريكا أرادت أن يكون المؤتمر اختبارا حقيقياً لموسكو، وذلك بجعلها تروّض حلفاءها من إيران و حزب الله وحتى بشار الأسد، فعندما تطرح موسكو نفسها كضامن لهذا الطريق يجب أن يكون لديها القدرة على ضبطهم وإجبارهم على تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين روسيا والأطراف الأخرى سواء كانت تركيا أو أمريكا.
وهذا بدا واضحاً وجلياً حين أكَّدت مصادر في المعارضة السورية بأنَّ روسيا وبَّخت هيئة الأركان التابعة لنظام الأسد، ووبَّخت “علي مملوك” بشأن الخروقات المتكررة لقوات الأسد وميليشيات حزب لله في وادي بردى وعين الفيجة قبل السيطرة عليه، وإذا كان الروس يعتقدون فعلاً أنَّ أستانة خطوة نحو جنيف، فهم واهمون تماماً، فالحرب السورية أكبر من الدول الراعية لمؤتمر أستانة، وقائمة الغائبين جعلت من جهود روسيا هباءً منثوراً، فالسعودية والاتحاد الأوروبي وحتى أمريكا بتمثيلها الضعيف، أضعفوا كثيراً من سقف التوقعات والنتائج المرجوة من هكذا لقاء، ولم يكن رفض المعارضة هناك لمناقشة مسودة دستور روسي الصنع إلّا تأكيداً بأنَّ الحل النهائي يلزمه لاعبون أساسيون هم من يحددون المكان والزمان المناسبين لحلِّ الأزمة في سوريا.
لهذا تداركت موسكو الموقف حين دعت بعض الفصائل المعارضة إلى موسكو لتشكيل وفد موحّد إلى جنيف، فإذا كانت الأستانة تؤدي إلى جنيف ما كانت هناك محطة موسكو في المنتصف؛ لأنَّ مؤتمر جنيف يحظى بترحيب واسع دولياً، فالأمم المتحدة ترعى المؤتمر والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي مع روسيا يضيفون لمثل هذا المؤتمر مصداقية وجدّية أكثر في طرح مشروع الحل النهائي في سوريا، وسيكون الحضور العربي في جنيف له تأثير واضح على مستوى مشاركة المعارضة السورية، وهذا الدور سيتمثل بالسعودية ودول الخليج وربما الجامعة العربية تلعب دوراً مهماً في هذه المرحلة؛ لأنَّ العرب يدركون تماماً أنَّ غياب دورهم في حلِّ الأزمة السورية يعني وضع سوريا تحت “الانتداب الروسي-الإيراني” وبالتالي تفعيل مشروع الهلال الشيعي في المنطقة، ما يعني تحكم إيران بقرار أربعة دول عربية (العراق ,سوريا، لبنان، واليمن) وهذا ما لن تسمح به دول الخليج التي تحاول بشتى الوسائل وضع حدٍّ لتصرفات إيران في المنطقة، لكن مثل هذا الثقل العربي والخليجي خصوصاً يستلزم تعاوناً وثيقاً بين السعودية وواشنطن خاصةً في عهد الإدارة الجديدة بقيادة ترامب، والأيام القادمة ستكشف الكثير من الأمور والحقائق بخصوص مؤتمر جنيف والأطراف المشاركة فيه.