د. عمر عبد العزيز نتوفتعرضت الأسرةُ السورية في ظلِّ السنوات الخمس للثورة السورية لعدةِ اهتزازات حصلت كنتيجة طبيعية لحجم الأهوال التي مرَّت بها الثورة، فالأسرة السورية كانت وماتزال هي نواة الثورة، ومع مرور الوقت ظهرت فوارق نفسية وبيولوجية يمتاز بها كلُّ فرد من أفراد الأسرة الواحدة عن أقرانه، حيث ساعد في تمييزها موجة العنف والقتل المُمَنهج والنزوح والحصار الذي تعرضت له الأسرة والمجتمع ككل من قبل النظام المجرم.دعونا نركز على الحجر الأساس للأسرة السورية، وماذا حلَّ به؟ هل لا تزال العلاقة بين “الزوج والزوجة” الدعامتين الرئيسيتين للأسرة تتخــذ الشكل نفسه الذي كان قائماً قبل الثورة؟ وهل كان لجملة المتغيرات التي طرأت على المجتمع السوري في ظلِّ الثورة تأثيراً على هذه العلاقة؟ وهل كان التأثير سلبياً أم إيجابياً؟الثورة السورية وخصوصاً في المناطق المحررة قلبت التركيبة الاقتصادية للمجتمع رأساً على عقب، حيث أفقرت الفئة التقليدية “المتوسطة” والتي كانت تشكل الفئة الأكبر من إجمالي فئات المجتمع، لتصعد مكانها فئتان جديدتان، إحداهما قدمت من الأسفل “الطبقة الفقيرة” والأخرى هوت من الأعلى “الطبقة الغنية”، تبع ذلك فعل، وردّات فعل مختلفة.تعتبر الحالة المادية المتردية والظروف الأمنية الخطرة السبب الرئيس في تفشي المشاكل الأسرية، ما ينعكس على حياة الأزواج، في ظلِّ العجز الذي يعانيه الزوج في أغلب الأحيان لتغطية تكاليف الحياة التي أصبحت مرتفعة جداً خصوصاً إذا ما ترافق ذلك مع عدد كبير لأفراد الأسرة.وتواجه النساء السوريات في المناطق المحررة جملة من التحديات التي فرضتها ظروف الثورة القاسية عليهن، فالخوف والقلق الشديدين، تسببا في نشوء اضطرابات نفسية وتوتر، وسهولة الاستثارة أمام أي موقف كان يبدو فيما سبق أمر طبيعي لا يستحق الاهتمام، كذلك الرجل زادت الظروف المعيشية القاسية والبطالة ورحلات النزوح المتكررة من ضغطه النفسي، وتسببت له بمشاكل نفسية أثَّرت وبشكل كبير على علاقته الزوجية.وتشتكي النساء السوريات من تقصير وإهمال أزواجهن في الداخل المحرر ومناطق النزوح، إضافةً إلى زيادة العبء الملقى عليهن، بسبب الانشغال الدائم للزوج في العمل الطويل، لتغطية مصاريف الإقامة والمعيشة المرتفعة التكاليف.وإنّ نزوح الأسر السورية في المناطق المحررة من أماكن سكنها وتفرق شمل العائلات الكبيرة في أماكن مختلفة، عزز من تفاقم المشاكل الأسرية وصعوبة إيجاد حلول إذا ما وقعت.القاضي الشرعي “ع.خ” الذي يشرف على إحدى المحاكم الشرعية في حلب يقول: “إنَّ ابتعاد الأسر عن بعضها، وربَّما تفرُّق الأهل عن بعضهم، وابتعاد أماكن سكنهم، كان سبباً رئيساً لنشوء الكثير من المشاكل الزوجية، وقد وصلت الكثير من الحالات إلى الطلاق” ويضيف أنَّ أهل الزوجين يلعبون دوراً كبيراً في التخفيف من حدة المشاكل الزوجية وخصوصاً لدى الأسر الحديثة.فما بالنا بالأسر التي فقدت معظم أفرادها بين شهيد ومعتقل ومعاق ولاجئ، والأسر التي تسكن في المخيمات والملاجئ، والأسر التي تجتمع مع بعضها في بيت واحد لتوفير أجرة هذا السكن.فكلّ ذلك له دور في تعميق الخلافات الأسرية، وإضعاف أواصر المحبة والمودة التي كانت تتسم بها أسرنا وعائلاتنا.فلا بدَّ لنا كمؤسسات وأفراد واستشاريين أن ندرك الخطر المحدق بتركيبة الأسرة السورية، ومالها من تأثير ملحوظ على المدى القريب، ومالها من تداعيات على مستقبل المجتمع السوري ككل، وأن نضع الدراسات والخطط لحماية مجتمعنا من التفكك.