حارث العباسي  |

اجتاحت في العقود الأخيرة الأجهزة الإلكترونية حياتنا اليومية، ومع تقدم السنوات تتطور هذه الوسائل، فالهاتف اليوم لم يعد وسيلة للاتصال فقط، بل وسيلة متعددة الاستخدام، فالألعاب والتواصل والتقاط الصور والتسوق وغيرها الكثير أصبحت من خلاله، فيما أثّر هذا على حياتنا، وأثر بشكل مباشر على حياة الطلبة وتحصيلهم الدراسي، فقد أضحى كثير منهم يدمنونها، ما يؤثر سلبيًا على صحتهم البدنية والنفسية.

مفهوم الألعاب الإلكترونية

الألعاب الإلكترونية أصبحت شيئًا شائعًا بين الجميع سواء على مستوى الطلاب أم غيرهم، ولها جمهورها والمهتمون والمتابعون لبرامجها وتطور الألعاب مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وللمهتمين في شؤون التربية والمراهقين تعريفات متعددة، فيرى المتخصص في شؤون المراهقين الأستاذ فهد الحمدان أن الألعاب الإلكترونية “استخدام للتقنية والرسوم المتحركة – من شركات متخصصة – في تقديم تنافس مع الحاسوب أو مع لاعب آخر – موجود فعليًا أو عبر الإنترنت – يتم فيها إشباع حاجة اللاعبين إلى الفوز والشعور بنشوة الانتصار وتسود روح التحدي والمغامرة عبر مراحل متعددة تتدرج من السهولة إلى الصعوبة”.

ويوضح الباحث عباس سبتي: “هي الألعاب الشبيهة في معظمها بالألعاب الرياضية التي يمارسها اللاعبون، لكنها تدار من خلال أجهزة التكنولوجيا مثل جهاز التلفاز والفيديو وجهاز الآيفون وجهاز الكمبيوتر وغيرهم”.

قد تختلف المفاهيم أو تتفق، فهي تسلط الضوء بعمومها على الألعاب الإلكترونية، وتحاول أن تضع لها تعريفًا عامًا، ومع انتشارها وتعددها، وشغلها حيّزًا كبيرًا من حياتِنا، تُلقى مسؤولية كبيرة على المختصين في شؤون التربية، فيجب عليهم أن يتابعوا طلابهم في التفاعل مع هذه الألعاب سلبًا وإيجابًا.

ما الآثار السلبية للإدمان على الألعاب الإلكترونية؟

يُجمع كل التربويين والباحثين في شؤون التربية والعلوم النفسية، أن الأدمان خطرٌ على كل أمور الحياة، فكيف إذا كان مع الأمور الإلكترونية التي تؤثر على صحة الإنسان وحالته النفسية، فضلًا عن أنها تشغل حيّزًا كبيرًا من وقته.

يوضح التربوي عبد العلي الجراف من خلال متابعته وبحوثه في هذا المجال: “بعد البحث وجدت دراسات تتحدث عن أن أهم عامل يؤدي إلى هذه الآثار السلبية على الدماغ هو الألعاب الإلكترونية والموسيقى الصاخبة دون الحديث عن الإدمان الإلكتروني، ويتحدث المتخصصون عن أن ألعاب السرعة والقتال والحرب والإثارة تتطلب تركيزًا عاليًا مما يعرض الدماغ لذبذبات كهرومغناطيسية عالية التوتر تصل إلى 40 هرتز (دورة في الثانية) وتسمى ذبذبات GAMA وهي ذبذبات تفوق بكثير ذبذبات BETA  30(هرتز) كأعلى مستوى يصله الدماغ في حالة التركيز العالي”.

وأفاد الجراف: “أخطر ما في الأمر هو مستوى التفاعلات الهرمونية التي تحدث داخل الجسم عمومًا والدماغ خصوصًا حين يصل إلى هذا المستوى العالي من الذبذبات، حيث يتم إفراز هرمونات متناقضة في وظائفها كالسيروتينين أو الدوبامين والأدرينالين والكورتزول، مما يعطي شعورًا بالمتعة والنشوة والانسجام التام مع اللعبة أو الموسيقى، وكذا الشعور بالتوتر والتعصب، وهذا ما يفسر اختلاط الضحك والقفز ومظاهر الفرح مع الصراخ والتذمر ومظاهر الغضب في آن واحد، وقد تم اكتشاف أن هذا الوضع المتناقض يؤدي إلى تدمير ثلاث قدرات مهمة في العقل وهي الانتباه والتركيز والتذكر”.

مدارسنا ما زالت تقبعُ بنظريات قديمة وكتب ورقية، بينما أصبحت كل تعاملات العالم بأجهزة ذكية

ويُبيّن الجرّاف: “أن أعراض مرض الزهايمر بدأت تظهر على أناس في مقتبل العمر، ويؤكد المتخصصون أن 20 دقيقة يوميًا لمدة ثلاث أشهر كافية للتأثير على هذه القدرات، فما بالك بمن يقضي أربع ساعات وأكثر يوميًا، وإذا أضفنا أن اللعبة تمارس بأصبعين فقط، فإن الآثار الجانبية تتجاوز العقل إلى البدن من ضعف في السمع والبصر وارتخاء للعضلات وانطواء إلى جانب الاضطرابات النفسية دون الحديث عن المشاكل الاجتماعية مع الوالدين والأخوة والمحيط العام”.

وتضيف التربوية فرح ياسين الفارس لـ”نون بوست”: “قبل أن نتناول نتائج إدمان بعض الطلبة على الألعاب الإلكترونية، وإهمال بقية جوانب حياته ومن ضمنها الدراسة، فعلينا أن ندرك الأسباب والمسببات للوصول إلى هذه المرحلة، فلا يُرمى اللوم دائمًا على الطالب، فهنالك أدوارٌ مهمةٌ تُعزى لأناسٍ متمثلة بالدولة وبالتعليم الذين لم يواكبوا التطور الحاصل والوعي الذي انتشر وتفتح عقول الأجيال، فأصبح الملل يسود مقاعدنا الدراسية، ولم تتوفر لطلابنا أبسط الحقوق، فهو لا يجلس على مقعدٍ مريح ولا يدرس بمكان نظيف، فضلاً عن أن مدارسنا ما زالت تقبع بنظريات قديمة وكتب ورقية، بينما أصبحت كل تعاملات العالم بأجهزة ذكية، واستغنوا عن اللوحات الخشبية بلوحات ذكية”.

كيف تؤثر الألعاب الإلكترونية على التحصيل العلمي للطلاب؟

أصبحت الوسائل الذكية متوفرة بشكل طبيعي بيد الأطفال وطلاب المدارس، وأصبح حديث المدرسين أن هذه الوسائل والألعاب أصبحت تؤثر بشكل مباشر على المستوى العلمي للطالب، وقد تراجع مستوى بعض الطلبة بعد تعرفهم على برامج التواصل الاجتماعي، وتدنت درجات الكثير منهم، مما استفزّ إدارات المدارس بهذا الخطر الذي دهمهم.

تقِفُ التربوية فرح ياسين الفارس مع الموضوع وقفة متوازنة فتقول: “أنا مع الإلكترونيات وضد الإدمان عليها، فيتغذى القلب والدماغ على السكر، ولكن الإدمان عليه قد يكون المُسبب لأخطر الأمراض، ونحن هنا نقف عند مثلٍ معروفٍ لم يقل اعتباطًا (كل شيء يزيد عن حده ينقلب ضده)، فالتوازن في جوانب مختلفة من حياة الفرد سر سعادة الفرد قبل أن يكون سر نجاحه، نحن في زمن ننقاد فيه إلى عصر التكنولوجيا”.

غزتِ الأجهزة الإلكترونية حياتنا وأصبحت جزءًا من سلوكنا اليومي

وتضيف الفارس: “في زمن مضى كانت هناك ملهيات واليوم توجد هذه الملهيات، فهي تختلف باختلاف العصور، فكنا نجد الطالب الكسول والطالب المجتهد واليوم كذلك نجدهما، فلا ضير أن ينعم الطالب بمسليات عصره، وأن يستمتع ضمن الحد المعقول، لأن مكانه كطالب، لا يعني أن يكون سجين الكتب وأن يُمضي يومه يتصفح الأوراق، فمن حقه كإنسان وطفل أو مراهق أو شاب ومهما كانت الفئة العمرية أن يستمتع بما يهوى من ألعاب إلكترونية، فاليوم من لا يعرف لغة الألعاب الإلكترونية، يُعتبر جاهلًا وأميًا بين أقرانه في مجتمعاتنا”.

وتوضح الفارس: “حياتنا أصبحت تعتمد بشكل كبير على الإلكترونيات، فأضحى التسوق إلكترونيًا، وتواصلنا مع الأهل والأحبه إلكترونيًا، وكذلك ألعاب أطفالنا استبدلت بألعاب إلكترونية”.

كيف نوظف الألعاب الإلكترونية علميًا؟

غزت الأجهزة الإلكترونية حياتنا وأصبحت جزءًا من سلوكنا اليومي، فلا يوجد أحدٌ اليوم قادر على مقاطعة الأجهزة الذكية، فهي تدخل في كل تفاصيل حياتنا الدقيقة، فالتسوق والبحث عن العمل والتواصل مع الآخرين أصبح عن طريقها، يبقى السؤال كيف بإمكاننا أن نوظفها علميًا؟ لتتحول من السلوك السلبي إلى الإيجابي في حياة الأفراد والطالب.

أولاً: ترشد الإدارات المدرسية استخدام الألعاب بشكل إيجابي.

ثانيًا: أن يكون لها وقتٌ محدد في كل يوم قد لا يزيد على ساعةٍ أو ساعتين.

ثالثًا: توظيف وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب في العملية التربوية والوظائف المدرسية.

رابعًا: تشجيع الطلبة على إنتاج ألعاب مسلية وممتعة بعيدًا عن ألعاب السلاح والعنف.

خامسًا: تحويل المواد الدراسية من الكتب الورقية إلى الكتب الإلكترونية.

لم يعد المنع يجدي نفعًا، فالتوظيف الإيجابي لهذه الوسائل أفضل من المنع، وحث الطلبة على الاستفادة منها في حياتهم العلمية والعملية، خصوصًا أن الاستخدامات المتعددة لها أعطت فرصة للإنسان أن يُبدع ويضيف من خلالها الكثير.

المصدر: نون بوست