نحن لا نعيش غالبًا خارج إطار الأيديولوجيا، فكل ما يحيط بنا منذ الولادة يدفعنا لتكوين آراء وانتماءات ومعتقدات وأفكار تشكل أيديولوجيتنا الخاصة أو العامة.
ومهما حاولنا التخلص من هذه الصفة فإننا لن نفلح في ذلك، فحتى التحرر والعلمانية والإلحاد هي أيديولوجيات كبرى تفرض علينا مجموعة من التصرفات إزاءها.
إن الناس الذين لا يملكون أي غاية أو هدف من وجودهم، ولا يكترثون لأي شيء ويتصرفون بعبثية كبيرة، هم فقط من يظنون أنفسهم خارج الإطار، رغم أنهم لا يكونون كذلك غالبًا، لأن الحياة تفرض عليهم العديد من الالتزامات والأخلاق العامة والتصرفات التي تفرض عليهم مراعاتها على الأقل. فالقوانين والدساتير والتشريعات التي تقرّها الدول هي أيديولوجيات مؤسسية، تمتد إلى الأفراد عن طريق الالتزام.
في الممارسة السياسية يخطئ الكثير من أصحاب الأيديولوجيا عندما يضعون المصلحة المشتركة قيمة عليا للتحالفات والعمل السياسي خارج إطارهم الأيديولوجي، ويتخلون عن بعضهم في سبيل تحالفات المصلحة السياسية أو الاقتصادية أو تحالفات القوة العسكرية.
إن كثرة هذا النوع من التحالفات كفيل بتمييع الأيديولوجيا، وجعل المصلحة هي البوصلة أو الانتماء المقبل، خاصة عندما لا تحظى هذه التحالفات بتوضيحات كافية أمام الجمهور، بقدر ما يتم التركيز على تبريرها مصلحيًّا، وذكر نقاط قوتها، وما ستحققه من تقدم للمجموعة السياسية، أو للجمهور المفترض.
بالمقابل إن الإصرار على التحالفات ذات اللون الواحد تُولد العطالة والتعصب والتشدد، وربما الراديكالية في مراحل متقدمة، لأن ما يجمع الناس في هذا النوع من التحالفات هو إطار شعوري اعتقادي أكثر من كونه عملي فاعل، وبالتالي فهو إما أن يشكل مجتمعات ساكنة هادئة، أو مجتمعات تتبنَّى القوة مبدأ لتحقيق ذاتها.
ما نحتاجه في العمل السياسي هو الوقوف في المنتصف، والعمل على تحالفات المصالح المشتركة مع التوافق على المبادئ الأيديولوجية للمجموعات المختلفة؛ من أجل الحفاظ على الهوية والتنوع داخل النسيج الاجتماعي للدولة، لأن هذا التنوع هو ما سيكفل التفاعل الدائم والنهضة المستمرة، وسيحفظ البلاد تجاه أي استبداد قادم، أمّا لعبة المصالح فقط فهي خطيرة للغاية، لأن توافق القوى الكبرى على مصالحها سيجعل من البلاد ضحية لاقتسام المصلحة والاستبداد من هذه القوى.
وسيجعل الأيديولوجيا الأقوى، أو المستقوية هي الحاكمة فعليًّا؛ لأنها ستغرق البقية في بعد مصلحي عولمي، يجعل منها النموذج الوحيد الذي يستطيع البقاء. وبالتالي إعادة إنتاج للدولة المستبدة والديكتاتورية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي