محمد الحمصي |
“كنت أعدُّها مجرد هواية في سورية، إذ كانت إبرتي تنسج ما يطوف في مخيلتي لترسم ثوبًا قد ارتديه أو أهديه أو ربما فقط لأتمتع بفني في الحياكة والتطريز، أما اليوم فهي مهنتي ولقمة عيشي ومعيل أولادي الوحيد في بلاد اللجوء، لقد حاكت حياتي من جديد.” بعبارات مزجتها الحسرة على ما فات والأمل بما قد يأتي تتحدث السيدة (سحر) لحبر عن مشغل الحياكة والتطريز الخاص بالسوريات الذي كان الملاذ الأخير من العوذ والفقر والهروب من مشقة العمل في المشاغل التركية وساعات عملها الطويلة.
(سحر) سيدة سورية تنحدر من ريف إدلب في الشمال السوري لجأت إلى تركيا منذ أعوام متزوجة ولها ثلاثة أولاد لاجئة في تركيا بعدما حل القصف على قريتها كما سائر القرى والبلدات السورية.
تقول سحر: “فكرت بالاستفادة من هوايتي المحببة لمساعدة زوجي ورعاية أولادي، وبدأت العمل على ذلك بكل قوتي، وبحثت كثيرًا من أجل تسويق منتجاتي، وكانت المصادفة أن أرسلت لي صديقتي إعلان كان على فيس بوك مفاده (مطلوب محترفات كروشيه) ويوجد رقم للتواصل، وكان هذا رقم الآنسة (روعة) وكانت بداية مشروعنا الصغير وحلمنا الكبير، انطلقنا من غرفة صغيرة في منزلي المتواضع. بالنسبة إلي لقائي بالآنسة روعة كان نقطة تحول كبيرة في حياتي وكان له أثر كبير على تطوير مشروعنا الذي رأى النور أخيراً بعد ثلاثة أشهر من لقائنا.”
(روعة عصفور) سيدة فلسطينية من سكان مخيم اليرموك في مدينة دمشق درست علم الاجتماع والنفس في جامعة دمشق، إلا أنها تعرضت للاعتقال في السنة الأخيرة من دراستها وبالتالي تم إيقافها من الدراسة بسبب مواقفها المناهضة للنظام. عملت بداية الثورة السورية مدربة دعم نفسي واجتماعي للأطفال في مدارس الأونروا UNRWA لكن تم اعتقالها من قبل النظام أثناء أدائها لعملها مدة ثلاثة أشهر، وبعد الإفراج عنها مقابل مبلغ مالي كبير، تم نفيها من سورية وغادرت إلى تركيا حيث قام النظام باعتقال زوجها وهو مختف قسريا منذ خمس سنوات.
وفي حديث مع حبر قالت: “عملت مع عدة منظمات، ودربت أكثر من ٣٠٠ شخص في الدعم الاجتماعي في الشمال السوري وتركيا.”
وحول مشروع الكروتشه أضافت روعة: “انتهى بي المطاف في تدريب عن العدالة الانتقالية لمجموعة من الناجيات من الاعتقال، حيث قالت إحداهن: إن الجحيم خارج أسوار السجن، وإن فرص العمل ضئيلة جدًا مع ارتفاع مستوى المعيشة، ففكرت في مشروع أستطيع أن أساعدهنَّ من خلاله، فكانت فكرة إنشاء مشغل للكروشيه والصوف والنول اليدوي، وبدأت مع عشرة نساء في مدينة أنطاكيا التركية، وبدأنا بالتوسع يومًا بعد يوم مع نجاح منتجاتنا في الريحانية وإسكندرون، وأصبح فريقنا يتكون من ٣٥ امرأة أغلبهنَّ أرامل وناجيات من الاعتقال أو زوجات مختفين قسريًا أو معتقلين.
وعن أهداف المشروع تابعت (روعة) حديثها: “المشغل يهدف إلى إيجاد فرصة عمل تناسب هؤلاء النسوة، وتحفظ لهنَّ كرامتهنَّ مع بقائهنَّ إلى جانب أطفالهنَّ بالإضافة إلى بناء قدراتهنَّ في هذا المجال.
يتألف المشروع من أربع مراحل:
المرحلة الأولى بناء قدرات الفريق والإنتاج، والثانية افتتاح متجر خاص بنا لتسويق المنتجات، والثالثة افتتاح دورات لتدريب أكبر قدر من النساء الراغبات بالانتساب إلى فريقنا، والرابعة افتتاح فرع لنا في الشمال السوري خاصة بعد تواصل عدد كبير من النساء معنا ورغبتهنَّ بالانضمام إلى فريقنا.
يوجد ثلاث فرق في كل من الريحانية وأنطاكيا وإسكندرون، ولكل فريق يوجد مديرة تتابع عملهنَّ وتعمل على بناء قدراتهنَّ.
ما يميز عملنا هو جودة الإنتاج، حيث نستعمل أفضل أنواع الصوف التركي والتصاميم المميزة جدًا واحترافية الفريق في العمل، ويتم ترويج منتجاتنا عبر صفحة لنا على موقع الفيسبوك.”
في ختام حديثها تنهدت روعة قائلة: “رسالتنا هي دعم المرأة لتكون قوة عاملة لا عالة على المجتمع”.