من الصعب أن تكتب برصانة الصحافة عن جريمة بشعة كالتي حدثت في نيوزلندا وراح ضحيتها عشرات المسلمين الذين كانوا يصلون الجمعة في مسجدين من مساجد مدينة “كرايست تشيرش” نتيجة للإرهاب الغربي وخطاب الكراهية الذي يزداد انتشاراً في أوروبا والغرب عموماً في الفترة الأخيرة، ويرافقه تصاعد اليمين المتطرف في أكبر دول العالم وديمقراطياته.
هذا الإرهاب المُتنامي يعتبر الإعلام الغربي ومؤسسات السياسة الكبرى مسؤولة عنه بشكل مباشر، لأنها أكثر من يُغذي نزعة الكراهية ضد المسلمين عن طريق تحميلهم مسؤولية جميع الشرور التي تقوم بها أجهزتهم الاستخباراتية، وبعض المغفلين ممَّن يُحسبون على الإسلام.
استخدم الإرهابي القاتل جميع الرموز الصليبية ليقول للعالم إنه يُمارس حقداً دينياً قذرًا، وجريمةً بشعة تعود بأوروبا إلى انحطاط وسفالة القرون الوسطى، ومع ذلك يتعامل الإعلام والمؤسسات الرسمية السياسية ومؤسسات الرأي العام والرأي الدولي مع الجريمة الإرهابية كحادث أو خبر في زخمة أخبار كثيرة، ويتغاضى عن بشاعة الجريمة ووجوب تسليط الضوء عليها لكيلا تكون مُحرضاً للعنف عند الطرف الآخر الذي تزداد نقمته عندما يرى العالم يجنُّ جنونه في جريمة مثل “شارلي إيبدو” ويقف ببلاهة وصمت مقابل جريمة أبشع كما حدث في “نيوزلندا”
إن هذا البرود المليء بالوقاحة والشر والجريمة التي يتعامل معها الغرب بعنصرية بغيضة سافلة قذرة تجاه المسلمين كفيل بأن يجعل الإرهاب لغةَ الخطاب بين الشعوب في العالم، ويتحول الإرهاب نفسه من حالة فردية إلى حالة عالمية، وعندئذ لن يستطيع العالم مواجهتها والسيطرة عليها، ولن تنفع خطابات التهدئة في وقف سيلان الدماء الذي سيصل إلى الأبرياء في كل مكان بسبب الصمت المُخزي عن الانتصار لهم اليوم.
إن تحريك الرأي العالم لجعل ما حدث في نيوزلندا قضية مُهمة، والقصاص من القتلة ليست مُهمة الأنظمة السياسية والإعلام فحسب، بل هي مُهمة الشعوب أيضاً، وصمتها هي الأخرى خسّة وسفالة، ودليلٌ على اشتراكها في الجريمة والتطرف والإرهاب الذي ربما تكون ضحيةً له إذا واصلت هذا الصمت.
رحم الله الشهداء، وكتب الشفاء للجرحى، وألهمنا جميعاً الصبر والسداد.
المدير العام | أحمد وديع العبسي