الدعشنة بمفهومها الاجتماعي تتمحور حول العدائية تجاه آراء الآخرين ما دام لا يؤمن بها المتطرف، والتعامل بتلك المنطقية مع الشخص المخالف بمبدأ التسكيت عبر التهديد والإرهاب.
هي بذلك تكون وليدة أفكار الإنسان ومنبثقة عن عقليته التسلطية أو السائرة وراء التسلط، وهذا الخلل هو ما أسس لتميُّز الداعشي عن غيره، وإذ ذاكَ فلا علاقة للمتعامل مع الدعشنة في تشخيصه إياها بأي شيء آخر من الأحوال الظاهرية للداعشي صاحبِها.
فالمتطرف إذ يقحم الدين في محاكماته العقلية الهوليوودية فإن ذلك لا يجعل من الدين دليلاً على تلك المنظومة الفكرية، تماماً كما أنه لا يجعل من بعض لاعبي كرة السلة الأمريكيين إرهابين خطرين لمجرَّد التشارك الظاهري مع الداعشي في إطلاق اللحى.
هذه الأحكام بدائية التعقل ولا يُحْتاج إلى خوضٍ فيها، غيرَ أنه هناك حركات فكرية مقصودة تقتات على تحوير تلك الأحكام بشكل مقصود ومستهدِف لتمرير بعض الرسائل المسمومة إلى العقول، بطريقة تشكل إرهاباً عكسياً لعله أخطر من الإرهاب المعروف وأوفر باعاً في تكميم الأفواه، ويتمثل في اتهام الآخرين بالدعشنة.
يُؤسِف القول إنه بدأت تظهر لدى البعض الناقم على الدين نزعة إلى المسارعة في اتهام الشخص بالدعشنةِ حتَّى ولو كانَ من أبرئ الناس منها ما دامَ لديه نَفسٌ إسلامي أثناء الحوار، فبالنسبة إلى أولئك فإنَّ كل من يتفكر في اجتماعيات الناس بمنطلقات الدين فهو مشروع تطرُّف، حتَّى ولو كانتْ آراء الشخص مجرَّد تعبير لأفكاره عن المجتمع ونقلٍ لما يعتقده.
أن يسمع الإنسان القاطن في مناطق النظام أنه يُرمى على العلن بالدعشنة فهذه تعني جرعات بدون نهاية من الخوف والرعب كفيلة بأن تقمع حريته في إلقاء رأيه بعد ذلك، ففي النهاية كلنا يعرف أن هذه الاتهامات عند النظام لا تختلف عن الاتهامات بالردَّة عند داعش، لأن كلا الطرفين لا يحتاج إلى أدلة كي يصدقها، والنتيجة عند الاثنين هي القتل أو الرمي في أشباح السجون السوداء.
على أنَّ هذا التطرف العكسي الذي يستهدف الحريات لا يقتصر خطره على التخويف وإبعاد الناس عن المجاهرة بإيمانهم بصلاح المنطلقات الدينية لأن تدير اجتماعياتهم، بل يتعداه إلى اللعبِ بتفاعلات الأجيال المقبلة مع الدينِ ومفاهيمِه.
إنَّ هناك خطة واضحة لتلقيم الجيل الجديد الذي منذ بدأ يرى الحياة راحَ يرى قطع الرؤوس باسم الدينِ ويشاهد المسلسلات التي تستهزئ بشرائع الإسلام باسم محاربة التطرف؛ هناك خطة واضحة لتلقيم عقله ربطاً نتناً ما بينَ الدين والدعشنة من خلال تلك الاتهامات المتكررة التي نراها بدأت تكثر بشكل مستفز في وسائل الإعلام المختلفة وخاصة التشاركيَّة.
إنَّ سياسة البراميل والاعتقالات والتهجير التي اتبعها النظام في محاولة لترويض الشعب كانت تستهدف الجيل الواعي الذي شبَّ على تقدير الدين وأهله، أما للأجيال المقبلة فإنَّ هناك سياسات أخرى يجب ألا نغفل عن مواجهتها، ومن ضمنها ما ذكرنا من بناء المفاهيم المغلوطة في عقول الناشئين عن الدين.
إنَّ زرع قيم الإسلام الصحيح في نفوس أطفالنا، ولفح أرواحهم بموجات الحب للانتماء الديني الذي شرَّعه الله تعالى لنا بكلياته وسطاً معتدلاً هو مخرج الأجيال القادمة من كل تطرف وإرهاب صريحٍ أو غير صريح، يستهدف الدين والقيم من الداخل أو الخارج.
دعونا نفعل ونربي بإيمانٍ، في محاولةٍ صادقة لأن نملك العين التي نتعرف بها على شمس الحريَّة التي لم تغب البتَّة.