يحكى في النكات القديمة أنَّ سجيناً حُكم عليه بالإعدام فخيّره القاضي أن يحدد الطريقة التي ينوي الموت بها، شنقاً أم حرقاً أم بالغاز، فاختار السجين أن يعدم بالغاز، كيلا يشعر بالموت الذي يتسرب إليه رويداً رويداً وقد يفقد وعيه قبل أن يختنق، وفي يوم تنفيذ الحكم أُدخل المتهم إلى غرفة واسعة، فسرّه ذلك لأنَّه سيعيش دقائق أطول، ثم نظر إلى سقف الغرفة فوجده مفتوحاً، ففرح بذلك واعتقد أنَّه سيعيش طويلاً، وما هي إلا لحظات حتى أطل من السقف بعض الجلادين ورموه بجرر الغاز الفارغة حتى مات.
الحكومة في دمشق ماتزال تُخير مواطنيها على طريقة القاضي بين تأمين الغاز أو تأمين الأمان والهدوء بعيداً عن التفجيرات والإرهاب الذي تقوده المؤامرة الكونية على الوطن، فيختار المواطن المسكين على مضض الصبر على الأولى لينجو بحياته، دون أن يتغير شيء في الحقيقة، فأزمة الغاز ليست وحدها، والأزمات التي يجب أن يتحملها المواطن في سبيل أمانه المفترض لا تبدأ مع أزمة المازوت والخبز وأخيراً الأمبيرات بعدما أصبح تأمين الكهرباء ضرباً من الخيال، ولا تنتهي عند إهانته وسرقته وخطف أولاده والزجِّ به على جبهات القتال.
الخيارات كلها تؤدي إلى الفاجعة والمعاناة، وفاتورة العيش في سورية اليوم كبيرة جداً لا يقدر عليها إلا المتنفذين وكبار أتباعهم، وإنَّ أيَّ إحساس من الحكومة برفض المجتمع لسياساتها يقابله مباشرة بعض التفجيرات وجرر الغاز التي تنهمر على رأس المواطن لتعيد له رشده وإحساسه الكبير بالنعيم الذي يُبقيه على قيد الحياة.
لا يمكن أن يستمر هذا الوضع طويلاً، فرهان حكومة النظام على ترويض الناس واستعبادهم ليس خياراً صائباً، فالجوع أبو الثورات، وربَّما الفئة التي أمنها النظام في الثورة الأولى التي لم تنتهِ بعد، ستكون هي من يفجر الثورة الثانية، لكن هذه المرة ستكون في حاضنته، ومن أقرب الناس إليه.
المدير العام | أحمد وديع العبسي