بقلم رئيس التحريرإنَّ فكرةَ الاستخلاف في الأرض وتعمير العالم ليعود إلى فطرته الأولى لهي معنى وجود الإنسان على هذه الأرض، وهي فكرة ثقيلة على النفس التي ركنت زمنا طويلا إلى القعود وضيعت جهودها في كلام لا يسمن ولا يغني من جوع. وما نراه اليوم من تراجع جعل بعض أبناء الأمة يطرق أبواب الغرب مستجديا عطفهم وحنانهم سببه الأساسي أن حاملي الرسالة التي يجب عليهم تبليغها للناس وتعليمهم إياها قد غرتهم الدنيا ففترت همتهم وأصابهم مرض الوهن الذي يغري صاحبه بالقعود والتثاقل إلى الأرض.كثيرا ما رددت ألسن (المتغنين) بالقرآن ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً” من دون فهم المغزى وسبر الجوهر، فظلت العقول جامدة لا تستفيد من المواهب الربانية التي وضعها الله في الإنسان لتبليغ رسالته والدفاع عن دينه، لحل مشكلات العصر ووضع القواعد الأساسية للمجتمع السليم.وكلما نادت الفطرة السليمة الإنسان الغافل وسألته عن موقعه في هذه الحياة ومعنى وجوده فيها وحثته على الجهد والعمل، راح يتحايل على ذلك النداء الداخلي الصافي ليبرر لنفسه التخاذل والنوم في كهوف الزمن القديم، فيعلو في نفسه نداء الهوى فيقول له: لا أحد يسمح لك، والمرحلة تقتضي السكوت والتراجع والمراوغة وتقبيل أيدي من يظلمون ويبطشون. ولذلك تراه يبحث دائما عما لا يكلفه غير تحريك لسانه والتلويح بيديه.وهنا يأتي الدور الحقيقي للفرد الذي يرخص نفسه ويردعها عن هواها ويجبرها على الطريق القويم، ثم يرى في التعب راحة وفي خدمة الناس شرفا. وليدرس الواقع ويضع الحلول ويحقق مبدأ الاستخلاف الحقيقي ويصل إلى ما يروم إليه، مضحيا بأعز ما يملك وإن وصل الأمر إلى النفس التي بين جنبيه لتوضحَ معالمَ الطريق لمن سيأتي بعده من الأجيال المؤمنة، ولتكون نموذجا للعطاء، إنه عطاء النفوس الذي يحرص الجميع على عدم إنفاقه، وما أكثر البخلاء!كم بين قومٍ إنَّما نفقاتهم مالٌ وقومٍ ينفقون نفوساإنَّ النكساتِ التي أوجدت الحكم الجبري الذي قال للناس لا أريكم إلا ما أرى وإنكم لا تتحركون إلا بعلمي ولا تتكلمون إلا بإذني، أنشأت منهجا جديدا قاعدته من يتزوج أمي أقول له يا عمي، وكل من اغتصب الملك صار وليَّ أمري ونعمتي. وهو المنهج ذاته الذي يدعو إلى التولي والهروب وعدم المواجهة والاستسلام إلى الثقافة القطيعيّة. وكل ذلك تحت (الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها) وفي البلاد البلايا وفي سجونها يستقر العلماء الربانيون، وتحت شعار (حقن الدماء) ودماء الصادقين من أبناء الأمة مهدورة في كل مكان يتجرأ عليها كل أحد (حتى سامها كل مفلس)، وتحت (طاعة ولي الأمر) الذي لا يجيد قراءة سطر واحد من ورقة.إن مهمة الشيوخ انقلبت على ما يجب أن تكون عليه، فبدلا من الدعوة إلى مجابهة الحكم الطاغوتي، والدعوة إلى الله لإقامة شريعة الرحمن راحت تدعو للوقوف إلى جانب من طعنوا الأمة في ظهرها، وتدعو إلى الحاكم ودستوره الشيطاني واستعباد العباد.هذا الفقه الذي يقف عدوا لدودا أمام الرسالة الخالدة ليضلها عن السبيل القويم، هو نفسه الذي يريدنا أن نكون عبابيد للغرب تابعين له، أو أن نعود إلى (حضن الوطن) أو أن نسلم ثورتنا لمن سيفسدونها.فالحذر الحذر..